مشكلة قسوة الآباء على بناتهم

ولا شك أن البنت أحوج إلى الرعاية والعطف من الذكر؛ لأنها تُعد مستقبلاً لتكون حاضنة الأجيال، ولتفرغ هذا الحنان -الذي تلقته في البيت- في أولادها وذريتها؛ حتى ينشأ جيلاً صالحاً مستقيماً، فإذا فقدت البنت الحنان والعطف والأبوة في بيتها، فإنها تكون قد فقدت هذا الأمر، وفاقد الشيء لا يعطيه.

وكثير من الآباء لا يعطون بناتهم من الرعاية والعطف والحنان ما يجب، ويهملون كثيراً من مطالبهن العادلة والمشروعة، بل وأزيد من ذلك أنك تجد كثيراً من الآباء يعاملون بناتهم بقسوة، حتى إن إحدى الأخوات الطيبات كتبت يوماً من الأيام تعرض مشكلة تواجهها في البيت، وتشير إلى أن أباها ذلك الرجل الذي يصوم النهار، ويقوم الليل، ويحفظ القرآن، ويُكثر من التهجد والبكاء يعاملها بمنتهى القسوة، ويضربها إلى حد أنها لا تتحرك إلا إلى الطبيب، وقد يتهمها بشتى التهم المتعلقة بالعِرض وغيره، وقد يتهم أمها من وراء ذلك، ويُفسر كل تصرف يصدر منها على أنه عناد وتحد له.

فإذا كانت -مثلاًَ- لا تُحسِن بعض الأشياء من شئون البيت، بحكم أن تجربتها فيه قليلة، اتهمها بأنها تتعمد تجاهل هذه الأشياء، وعدم معرفتها عناداً وتحدياً له، وتقف البنت المسكينة التي ما زالت في مطلع شبابها، في هذا الوضع الحرج، ليس بيدها حول ولا قول إلا أن تنتظر من أبيها يوماً بعد يوم مثل هذه المواقف المؤثرة المحزنة، ولو صدرت مثل هذه المواقف من رجل سِكِّير منحرف لا يعرف لله حقاً لما كانت مستغربة، لكن أن تصدر من إنسان مؤمن مصلٍّ، فهذا هو الأمر الغريب، وقد أشارت هذه المؤمنة في مشكلتها إلى أنه لم ينقذها مما هي فيه، إلا أن الله عزَّ وجلَّ وفقها بأخوات طيبات بَيَّنَّ لها أهمية الحجاب، وضرورة البُعد عن الأغاني، والالتزام بدين الله، فوجدت في ذلك بعض العزاء والسلوى.

مثل هذه المشكلة، عندما تقع في يد إنسان ممن يعتبرون أنفسهم مربين أو موجهين أو خبراء تجد أنه يصطاد في الماء العكِر، فيشير إلى هذه البنت بخطورة فعل الوالد وجريمته، ولا يزال يحاول أن يملأ قلب البنت بالحقد على أبيها، ثم يُشعرها بأنه وأمثاله هم اليد الحانية التي يمكن أن تجد عندها هذه البنت الحل لمشكلتها.

بل قد يترتب على ذلك أن تشعر البنت، بأنها لا بد أن تنتقم من أبيها بكل وسيلة؛ حتى ولو بتدمير كرامته وتشويه سمعته عن طريق الفضائح الأخلاقية التي ستلاحقه -في ظنها- إلى الأبد.

فهكذا تجد أن مثل هذه المشكلة إذا وقعت في يد إنسان لا يخاف الله، فإنه يستغلها بطريقة سيئة، ويحاول أن يجعل منها معولاً يهدم من خلاله المجتمع المسلم، فهذه مشكلة قائمة وموجودة في مجتمعاتنا، ولا بد أن ندرك أن الله عزَّ وجلَّ جعل هؤلاء النسوة، سواء أكُنَّ زوجات أم بنات، أسيرات لدينا، ونحن مسئولون عنهن أمام الله عزَّ وجلَّ، فالمسلم يدرك أن هذه المسئولية سيُسأل عنها، ومن ثََمَّ لا يتصرف فيها إلا وفق ما يرضي الله تبارك وتعالى، وهذه المرأة المظلومة إذا دعت الله عزَّ وجلَّ بقلب صادق، فحريٌّ أن يجيب الله دعاءها، فإن المظلوم لا تُرَد دعوتُه، كما قال صلى الله عليه وسلم: {اتَّقِ دعوةََ المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} والمظلوم حين يكون عاجزاً عن الانتصار ممن ظلمه، فإن دعاءه أقرب إلى الإجابة.

وقد يقول قائل: إن الحل لمثل هذه المشكلة هو الزواج، حيث تنتقل البنت من هذا البيت الموبوء إلى بيت آخر، تجد فيه السعادة، وهذا -بلا شك- أنه من أحسن وأنجح الحلول إذا كان ممكناً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015