فنحن نجد اليوم: أن تعدد الزوجات في مجتمعنا يعتبر جريمة لا تُغْتَفر، لأن كثيراً من الذين تولوا مراكز التوجيه والتثقيف في مجتمعنا ممن لا يراعون الله عزَّ وجلَّ في هذه الأمانات، فكم من مقالٍ وتحقيقٍ كُتِبَ عن تعدد الزوجات، وسلبياته، والمشاكل الموجودة فيه، وشكاوى النساء من التعدد، ومشكلات الرجل مع التعدد، ويطرح بطريقة مثيرة للاشمئزاز، ومؤثرة في نفوس الفتيات بشكل كبير؛ لكنني أسأل نفسي وأسألكم: كم مرة في الصحف كُتِبَ عن هؤلاء الشباب الذي يسافرون إلى بلاد الإباحية الجنسية، ويرجعون وقد فقدوا أخلاقهم، ودينهم، وعتادهم، وفقدوا صحتهم، وجاءوا يحملون كثيراً من الجراثيم والأوبئة والأمراض الجنسية وغيرها.
لا أذكر أنني قرأتُ مقالاً أو تحقيقاً على مستوى قوي يتحدث عن هذا الأمر، بل بالعكس تجد الإعلانات عن وكالات السفر، وعن الفنادق وغيرها التي تستقبل هؤلاء الشباب، وتسهيل المهمة ما أمكن، لكن لا تكاد تجد ضد ذلك، فما أدري ما هو الشيء الذي جعل تعدد الزوجات، الأمر الذي أحله الله ورسوله، والذي يحل كثيراً من المشكلات، والقضية ليس فيها شيء، جعله جريمة لا تُغْتَفَر، وجعل السفر إلى تلك البلاد، وأن يعاقر الشاب فيها الخمر، ويضاجع النساء بالحرام، ويقع فيما يقع فيه -ولا أقول: كل مَن سافر، فهناك أناس يسافرون كثيراً لأغراض أخرى، لكنني أقصد نوعية معينة- جعل هذا الأمر حلالاًَ مباحاً لا يُنْتَقد، حتى من قبل المتزوجين أنفسهم أحياناً.
فتعدد الزوجات أولاً: قد يكون حلاً لمشكلة قائمة، وقد يكون سبباً في عدم وقوع الطلاق الذي تخشاه المرأة، ولو افتُرِضَ أن رجلاً تزوج امرأة مريضة -مثلاً- أو عقيماً لا تلد، أو بينه وبينها مشكلات لا يستطيع أن يستمر معها، لكنه رجل غير متسرع في اتخاذ القرار، ويشفق على هذه المرأة أن يطلقها، وقد يكون طلاقها مؤثراً عليها، وقد لا تجد البيت الذي يؤويها، فيفضل أن يبقيها ويحفظ لها حقوقها، ويضيف إليها أخرى، حتى يحقق بعض ما يريد هو، فهذا أمر والله لا يقول عاقلٌ: إلاَّ أنه أمر هو الحكمة كلها، حتى بالنسبة للمرأة، وهو الرحمة أيضاً ولنفترض: أنه ليس هناك أي مشكلة موجودة على الإطلاق، وترجع إلى أصل التعدد: فرجل لا تكفيه امرأة، ويريد أن يثني، أو يثلث وهذا أمر شرعه الله تعالى وأباحه، فما الذي يحول بينه وبينه؟! ولم يتزوج هو امرأة إلا برضاها وموافقتها، فمن يحول بين هذا الشاب وبين أن يضم إليها امرأة أخرى برضاها وطواعيتها هي، حتى يتدخل أولئك الصحفيون وغيرهم، فيحاولون أن يلوثوا هذا الأمر، ويجعلوا في ذهن الفتاة أن مثل هذا الأمر يعتبر تحطيماً لها وإهانة لمستقبلها! هذه مشكلاتٌ موجودة في المجتمع، ولا أقول: إنها كل المشكلات، بل هي نماذج لمشكلات كثيرة، موجودة في المجتمع، وأقول: إن من الواجب على المرأة المسلمة: أن تتوجه بمشكلاتها إلى من تثق بدينه، لا إلى أولئك الذي يفتحون صدورهم لهذه المشكلات، بل قد يختلقون مشكلات من عند أنفسهم، ويستغلونها في التأثير على المرأة، بل المجتمع وليس تغيير المرأة وتغيير المجتمع كله، وإيجاد نوع من التوتر في العلاقات بين المرأة وزوجها، وبين المرأة وأبيها، والمرأة وأخيها، بل وبين المرأة والرجل بصفة عامة، حيث يحاولون أن يجعلوا المرأة طرفاً والرجل طرفاً آخر، ويقيموا نوعاً من الصراع بين هذين الطرفين، وهذا -طبعاً- وضع قابل للاستفزاز، خاصة وأن المشكلات -كما ذكرتُ- هي موجودة -بلا شك- في كل مجتمع.
أيها الإخوة والأخوات: هذا المجتمع المسلم لا يزال يحتفظ بكثير من المميزات التي حباه الله إياها، بفضل هذا الدين الذي وجد في هذه البلاد، وسيظل -بإذن الله تعالى- على رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين.
والواجب علينا: أن ندرك أن حل مشكلاتنا الاجتماعية وغيرها إنما يكون عن طريق التمسك بهذا الدين، وليس عن طريق البحث عن بديل آخر، كمن يحاولون أن يجعلوا مجتمعنا المسلم صورة عن المجتمعات الغربية، وينقلون الأوبئة الموجودة في تلك المجتمعات إلى هذا المجتمع المسلم الطيب الطاهر، فلندرك -فعلاً- من هو العدو من الصديق، ولندرك كيف نستطيع أن نتغلب على هذه المشكلات الموجودة في المجتمع، ولندرك أي هوة سحيقة يقاد إليها المجتمع بواسطة إفساد نصف المجتمع: المرأة، والتي إذا فسدت فسد المجتمع كله، هذا واجب ينتظرنا جميعاً ذكوراً وإناثاً، والمسئولية ملقاة على عاتقنا جميعاً، أن نحصن أنفسنا، ونحصن غيرنا ضد هذه التيارات الهدامة، التي تحاول أن تفتك بهذا المجتمع.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، وأترك المجال للأسئلة إذا كان هناك بعض الأسئلة، وخاصة الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع.