ملاحظة أخرى من بعض الأخوات، وأيضاً في ما يتعلق في الموضوع السابق، فإنني أذكر بأن ما قلته من أن المرأة والرجل في الأصل مسئوليتهم مشتركة أنه صحيح، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] وقال سبحانه في غير موضع: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] إلى آيات أخرى كثيرة ذكر الله تعالى مسئولية المرأة فيها ومسئولية الرجل أيضاً.
وفي سنن الترمذي وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {النساء شقائق الرجال} ومعنى قوله: {شقائق الرجال} جمع شقيقة، والشقيق هو: المثيل، والنظير، كأن الشقيق وشقيقه شُقَّا وقُطِعَا من شيء واحد، فأحدهما صورة عن الآخر.
والأمر كذلك كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء:1] فقد خلق الله تعالى حواء من آدم وخلق منها زوجها كما جاء في بعض الآثار عن ابن عباس وغيره، وهناك أحاديث تدل على هذا المعنى في الصحيحين وغيرهما.
إذاً فالأصل أن مسئولية المرأة هي نفسها مسئولية الرجل، إلا أن يأتي دليل يدل على تخصيص الرجل بحكم شرعي فيعمل به، أو دليل يدل على تخصيص المرأة بحكم شرعي فيعمل به.
على سبيل المثال: صلاة الجماعة واجبة على الرجال بالنص، ولكنها ليست واجبة على النساء، فهذا حكم يخص الرجل ولا يلزم للمرأة، وهناك أحكام تتعلق بالنساء ولا تتعلق بالرجال وهي كثيرة معروفة جمعها الشيخ صديق حسن خان في كتابه: حسن الأسوة فيما ورد عن الله ورسوله في شأن النسوة.
هناك أخت أخرى تنفي ما سبق أن ذكرته في بعض المناسبات، أن بعض الأخوات الملتزمات قد تنشغل بدعوتها وعبادتها وصلاحها وقراءتها وعلمها، قد تنشغل بذلك عن نفسها، فتقصر في أمر ملابسها، أو أمر بيتها وتنظيمه، أو أمر زوجها، أو ما أشبه ذلك، أو لا تهتم بمظهرها.
وتنكر هذه الأخت وجود مثل ذلك، وجواباً على هذا أقول: إن هذه الحالة حالة موجودة، وإن كنت أعترف للأخت ولغيرها أنها قليلة فعلاً، وللأخت الكريمة أن تنفي هذا الأمر الذي ذكرته عن نفسها، ولها أن تنفيه عمن حولها، وعمن تعرفه، لكن من الصعب أن تنفي هذا عن جميع الأخوات الملتزمات.
أما أن يكون أهل الشر والفساد قد يستغلون مثل هذا الكلام، ويعممونه ويلصقونه بكل الملتزمات، وكل الداعيات، فإنني أقول: لا يجب أن نخاف من هؤلاء، أو نتستر على أخطائنا من أجلهن.
الخطأ لا مانع من معالجته ومناقشته، والحديث عنه دون تشهير، ودون تحديد، ودون تنقص، ودون تضخيم له، لكن لا مانع من الحديث عنه {فإن الدين النصيحة} كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
والحديث عن هذه الأخطاء هو بإذن الله تعالى السبيل لإزالته، فإن الأخطاء لا تكبر وتتضخم وتتسع وتتراكم إلا بالسكوت عنها، والتستر عليها.
ثم لماذا يكون لنا الحق في نقد جميع طبقات المجتمع؛ فننقد الأطباء والمستشفيات، وننقد التجار، وننقد الموظفين والمسئولين، وننقد الإعلام، وننقد جهات كثيرة ومتعددة، ثم لا يكون الحق مشابهاً في أن ننقد أنفسنا؟! إن هذا ليس من العدل في شيء.
بل ينبغي لنا أن ننتقد أنفسنا، حين أتكلم أو يتكلم غيري عن أهل الخير والصلاح والدعوة فإن الله تعالى يعلم أن الواحد كأنما يتكلم عن نفسه، ولكن لا يرى مسوغاً أن يتستر، أو يسكت عن هذه الأشياء.