وفي تلك الرسالة نفسها التي عقبت فيها الأخت الكريمة -جزاها الله خيراً- على موضوع متابعة الموضة والأزياء وقص الشعر وما يتعلق بذلك.
ذكرت بأنها تراجع في مثل هذه الأمور أصحاب الفضيلة المشايخ؛ كسماحة الشيخ ابن باز وغيره، وتبلغ الفتيات بمثل هذه وسواها، وتود أن لا تسمع البنات إلا مثل هذه الأمور.
وإنني أشكر للأخت الكريمة، وزميلاتها، أشكر لها أولاً قيامها بالدعوة إلى الله تعالى، فإن هذا أمر عظيم، وهي الوظيفة التي كلف بها الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن قام بها فهو وريثهم الذي يرجى أن يحشر معهم يوم القيامة في الجنة، مع {النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] .
فهنيئاً لهؤلاء الأخوات الكريمات، هذه الوظيفة التي شغلن أنفسهن وأوقاتهن وأعمارهن بها، وظيفة الدعوة إلى الله، وإنكار المنكر، ونشر العلم الشرعي، ونشر الحق في أوساط الفتيات، في وقت قل من يقوم بذلك، وكثر فيه المغرضون، والمرجفون، والداعون إلى الانحراف، والداعون إلى محاكاة الأنماط الغربية والشرقية، في أوضاعنا الاجتماعية والعائلية وغيرها.
وأود أن أؤكد للأخت الكريمة أن هذا المسلك الذي سلكته في مراجعة العلماء والمشايخ هو عين الصواب، فإن الإنسان لا ينبغي أن يستبد برأي، أو اجتهاد، إلا بعد أن يراجع أهل الشأن والعلم فيه، ويحادثهم، ويناقشهم، ويعرض عليهم، حتى يطمئن على صواب ما توصل إليه.
وهذا هو الأمر الذي نسلكه بحمد لله، ويسلكه غيرنا من طلبة العلم في مثل هذه الأمور وغيرها، وشكر الله للأخوات كثيراً على ذلك.
ثم إن هذه المسائل تظل في جملتها مسائل اجتهادية، ليس فيها قطع، ومن وصل فيها إلى رأي، أو اجتهاد لم يسعه أن يترك رأيه أو اجتهاده لرأي غيره، ولا أن يلزم غيره بذلك، فإنه حينئذٍ ترك ما رأى أنه الحق لتقليد، وقد قال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-:" أجمع أهل العلم أن المقلد لا يعد من العلماء ".
والله تعالى لا يسألنا يوم القيامة ماذا أجبتم فلاناً العالم! أو فلاناً المفتي! أو فلاناً الداعية! ولكن يقول كما أخبرنا جل وعز: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] .
فهذا هو السؤال (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) فإذا كان الإنسان لديه دليل من قرآن، أو آية من كتاب الله تعالى، أو حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، أو إجماع من أهل العلم قائم، فلا يسعه أن يترك ما ظهر له من ذلك لقول أحد كائن من كان.