وقفة مع كتاب (أرامكو وامتياز النفط)

إنني قد اكتشفت أيها الإخوة كتاباً لم يكن عندي منه علم، وبعث إلي به أحد الإخوة من منطقة الحجاز، فجزاه الله خيراً عني أفضل الجزاء وأوفاه.

هذا الكتاب لفت نظري عنوانه: أرامكو وامتياز النفط، وهو كتاب عجيب، لقد أدركت أن الناس منذ زمن بعيد يتكلمون عن مثل هذه الأمور، ويعلنونها بكل وضوح، وأن العالم كله يتحدث عن مجريات الأحوال، وربما يتكلم الإعلام الخارجي أحياناً بشيء من التضخيم والمبالغة عما يجري في هذه البلاد، فهل كتب علينا نحن فقط أن نظل لا ندري ماذا يدور حولنا، ولا نتحدث عنه، ولا نسمعه، ونستكثر حتى مجرد أن يكتب كتاب، أو يؤلف، أو تلقى كلمة، أو محاضرة، أو خطبة عن هذا الموضوع، أو ذاك!! إننا لن نفرح بإصلاح واقعنا إذا لم نكتشف الداء بأنفسنا، ونشترك جميعاً في علاجه، ونمنح الحق كل الحق لمن يريد النصيحة، والتقويم، والنقد الهادف البناء المبني على الحقائق والوثائق، لا على المبالغة والتهويل.

إن النصيحة ليست حقاً للإنسان يجب تمكينه منها، لا.

ولكنها واجب شرعي عليه، يأثم بتركه، وقد قام مروان بن الحكم يوماً يخطب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بخطبة العيد قبل الصلاة، فقام إليه رجل فأنكر عليه وبين له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تسبق الخطبة فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} .

إن إنكار المنكر باليد وباللسان هو قرين الإيمان، ولا يلجأ على الاقتصار على القلب إلا أولئك العاجزون، الذين خرست أفواههم عن النطق بكلمة الحق، وشلت أيديهم عن أن يساهموا بتغيير المنكر بأنفسهم، فهؤلاء قد عذرهم الله تعالى إذا نصحوا لله ولرسوله، وبذلوا ما يستطيعون، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إنني أعجب وحق لي أن أعجب، أن بعث إلي أحد الإخوة في ذلك الكتاب المشار إليه أرامكو وامتياز النفط! هذا الكتاب كتبه الخبير أحمد طاشكندي، وهو موجود في المكتبات، وأعتقد أنه متداول أيضاً، ولو على النطاق الضيق، وهو عبارة عن تحقيقات حول شركة أرامكو، أتدري أين نشرت؟! نشرت في جريدة الندوة، ونشرت في جريدة الخليج، ثم طبع هذا الكتاب عام (1380هـ) قبل ما يزيد على (32) سنة.

ومن الأشياء التي عمل الكتاب على توضيحها ما يلي: أولاً: ذكر بعض النصوص المتعلقة بعقد الامتياز لهذه الشركة وما جرى عليها من تعديلات.

ثانياً: ذكر تصرفات المسئولين الكبار من الأمريكيين في هذه الشركة.

ثالثاً: ذكر طرق العمل، وحالة العمال، والموظفين العرب والمسلمين في تلك الشركة.

يقول ضمن ما يقول: إن الموظف الأمريكي يعتقد أنه صاحب الفضل الأول في كل هذا الخير الذي يتدفق من أرضنا الطيبة.

يقول أحد الموظفين الأمريكان: هل تعلمون أنكم مدينون لنا نحن الأمريكيين لما وصلتم إليه من تطور وتقدم في حياتكم الاقتصادية والاجتماعية! فلولا وجودنا لما استطعتم إخراج الزيت من الأرض! وهذا الكلام الموجود في الكتاب وهو منشور أيضاً في جريدة الندوة في (6/4/1379هـ) .

وكذلك ذكر نماذج من معاناة المسلمين، بل وأهل البلد الأصليين، من العاملين الكبار في الشركة، وإهدارهم لحقوق العمال والفنيين المسلمين، ونماذج أخرى من التلاعب المالي الذي تمارسه الشركة بحق الموظفين، وتتحكم بعلاواتهم، وترقياتهم وميزاتهم الوظيفية، ونماذج من استقلالية الشركة بأنظمتها، وعدم خضوعها لأحكام التشريع الإسلامي، وأنها قررت الاحتفاظ كما يعبر بجنسيتها الأمريكية، والعمل بموجب قوانينها الخاصة، دون أية مراعاة للصالح العام في البلاد، ونماذج من خططها لفصل الموظفين من أهل البلاد، وإبقاء من لا يفصل منهم دون خبرة ولا معرفة، إلى آخر ما ذكر.

وهذا الكتاب يؤكد الحق في الحديث عن مثل هذه الأمور، بل والإعلان عن ذلك من خلال وسائل الإعلام الممكنة كتباً كانت، أو محاضرات، أو مقالات في صحف، أو غير ذلك، إنه أقل ما يجب للمخلصين الغيورين، الحريصين على مصلحة دينهم وبلادهم.

وهذا الكتاب حين أتحدث عنه هو جواب على ذلك التساؤل الذي ربما أثاره بعض الإخوة، وتساءلوا لماذا يكون الحديث عن هذه الموضوعات بشكل علني؟ فأقول: إنها ليست أسراراً، إنها أمور يعرفها الكثيرون، ويعرفها الخاص والعام، وتتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية كما أسلفت بشيء من التهويل والمبالغة، فهي تنشرها أحياناً، وقد تتحدث عما تسميه بالفضائح والمسلسلات، والروائح العفنة، التي تفوح في مواقع عدة ولا تتستر عن شيء من ذلك، ويقرؤها الكثيرون، ويعرفها الكثيرون، فلماذا يظل الأخيار والصالحون والمتدينون، هم فقط الذين لا يدركون هذه الأشياء ولا يعرفونها؟! مع أنني أعتقد أنهم أكثر من غيرهم قدرة على الإصلاح والتغيير بإذن الله تعالى، متى صحت النية، وصدقت العزيمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015