إنهم يسعون إلى كسب الثقة والقبول لدى المسلمين حكاماً وشعوباً، فهم يدركون أنهم لا يستطيعون أن يتحركوا في جو يكرههم ويبغضهم ويخاف منهم، ولهذا حرصوا على كسر هذا الحاجز من خلال وسائل كثيرة، مثلاً من خلال المحور السابق وهو تكثيف أعداد النصارى، فإن الإنسان إذا تعود أن يرى النصارى سهل عليه ذلك، وأصبح أمراً مألوفاً.
الأمر الثاني: من خلال كثرة الاتصال والتعامل مع الناس في التمريض والعلاج.
وقد ذكر لي بعض الشباب -وهذا أمر ثابت- أن هناك دكتوراً موجوداً في المستشفى يتجول على الشباب، ويخرج معهم في خرجاتهم، ويتكلم معهم ويحادثهم ويضاحكهم، ويتصل بألوان شتى مع الشباب التائهين ومن الشباب العاديين أيضاً في هذا البلد وفي غيره.
ومن الوسائل: الحث على الزيارة والمجالسة، ومن الطريف أنه ذكر لي أن أحد الإخوة الذين كانوا يعملون في القرى، يقول: كان هناك باكستاني نصراني مقيم في المستوصف في تلك القرية التابعة لمنطقة القصيم، ويقول: منذ عشرين سنة، وهو يعمل وينتقل من قرية إلى أخرى، فيقول: علمت أن عنده البارحة مناسبة أخبرني عنها خادم المدرسة، فقلت: من كان معكم؟ قال بعض الإخوان: فلما تحرى الخبر وجد أن هذا الرجل قد دعا إمام المسجد، ومؤذن المسجد، وبعض الناس، والمستخدم، وتكلم معهم في بعض الأمور، وكل ما قاله لهم: هذه الدعوة هي بمناسبة عيد ميلاد المسيح، فتعجب هذا الشاب وقال للمستخدم: كيف تذهب؟ فقال له: ليس في هذا شيء، مجرد أنه يحتفل بعيد ميلاد المسيح، أي: هو لم يدعهم إلى النصرانية وإنما قال لهم: أنا أحتفل الليلة بعيد ميلاد المسيح، ومن أجل الاحتفال قدمت لكم هذا الطعام.
الوسيلة الثالثة: النقاش البريء بينهم وبين المسلمين وإبعاد قضية الدين.
والكثيرون لا يصدقون هذا الكلام الذي نقوله، ويقولون: أنتم تبالغون! وأنتم تفهمون الأمور على غير وجهها! لماذا؟ لأنه قد يرى نصرانياً واحداً ظاهر حاله أنه لا يهتم بالنصرانية، ولا يدعو إليها ولا ينصر الناس في حقيقة أمره، وإذا تناقشوا لا يظهر عنده أي حماس، فيظن صاحبنا أن معنى ذلك أن هذا الرجل غير متحمس للنصرانية، والواقع أن الغربيين والأوروبيين بشكل عام عندهم هدوء وبرود في أعصابهم، فقد يكون أحدهم متحمساً ولكنه بارد الأعصاب، فيناقشك ولا ينفعل، ولا يظهر الحماس للنصرانية، وقد يستمع منك سباً لقومه ولدينه ولنفسه، فيواجه ذلك بابتسامة، ولا يظهر الغضب والانفعال، كما أن شعورهم بأن المنطقة حساسة يدعو إلى أن يكون هناك توصيات كثيرة للمنصرين هنا ولصانعي الخيام بأن عليهم أن يتلطفوا في دعوتهم وألا يظهروا أي قدر من الحماس للنصرانية، بل يحرصون على إبعاد قضية الدين.
ومن الوسائل أيضاً: ما يسمى بالحوار الإسلامي المسيحي، وهو حوار يطول، وهناك لقاءات كثيرة ومؤتمرات، ومن ذلك أنه عقد لقاء وحدة وطنية كما ذكرت جريدة آخر ساعة في عدد (1997م) لقاء الوحدة الوطنية بين مفتي مصر والبابا شنودة، وتكلموا بكلام طويل عريض، ونشرت أخبار هذا اللقاء، بل نشر في التليفزيون المصري وشوهد هنا في جدة والمنطقة الشرقية والرياض وغيرهما من المناطق التي يمكن أن تستقبل البث المصري، والأغرب في الأمر أنه كان ضمن هذا الاجتماع بعض وزراء الأوقاف في بلاد إسلامية.
وفي الخليج تجد أن هؤلاء النصارى تحالفوا مع كل أحد، فهم مستعدون أن يتنازلوا عن كل شيء في سبيل كسب المزيد من الانتصارات، فهم تحالفوا مع الشيطان، وتحالفوا مع اليهود، وبرّءوا اليهود من دم المسيح كما هو معروف في عقيدتهم، وتحالفوا مع الفساد والانحلال والرذيلة، واعتبروا أن ألوان الفساد الخلقي ذريعة إلى إغراء الشباب ودعوتهم إلى النصرانية، فأي شئ يمنعهم إذن من أن يظهروا أنهم مستعدون للحوار مع المسلمين؟ وأن هناك نقاط لقاء كثيرة جداً بينهم وبين دين الإسلام؟ وقد أصبح هذا الأمر يثار بشكل كبير, خاصة في هذه المنطقة، والصحف الكويتية تركز على هذا المعنى كجزء من دعوتها إلى تغريب المنطقة وأمركتها.
إذن هم يسعون عبر المحور الرابع إلى كسر الحاجز النفسي بينهم وبين المسلمين, وكسب الثقة عند الحكام حتى يتمكنوا من القيام بدعوتهم ويحتفظوا بمواقعهم وكسب الثقة لدى الشعوب الإسلامية، هذا مع أن أكثر العاملين كما أسلفت في هذه القطاعات هم من الطابور الخامس وعملاء للمخابرات الأمريكية والغربية -عملاء على الشعوب وعملاء على الحكومات- وبعض من قبض عليهم في حايل كان معهم وثائق تدل على انتمائهم لبعض أجهزة المخابرات الغربية، ولكنهم مع ذلك يظلون محتفظين بمواقعهم لأسباب عديدة.