قال تعالى: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] .
فرعون هذه الأمة أبو جهل روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند فيه انقطاع ولكن رواه الطبراني بسند آخر متصل، وأصل الحديث في الصحيحين في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهت معركة بدر قال: {من يذهب فينظر ماذا صنع أبو جهل، فذهب عبد الله بن مسعود فوجده، فلما رآه ركب على صدره فقال له أبو جهل: لمن الدائرة اليوم؟ لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، لقد أخزاك الله يا عدو الله، أرأيت كيف أخزاك الله؟! قال أبو جهل: وهل أعجب من رجل قتله قومه؟! ثم احتز ابن مسعود رأس أبي جهل وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم سر بذلك وقال: هذا فرعون هذه الأمة} .
هذا أبو جهل الآن في رمقه الأخير وقد ضربه ابنا عفراء حتى برك، وأدركه ابن مسعود وبه رمق، فـ أبو جهل الآن دماؤه -تسيل ورقبته قد قطعت أو كادت وهو يتشحط في أرض المعركة، فيم يفكر أبو جهل؟ فرعون هذه الأمة- قاتل الله من تكون حماسة أبي جهل لدينه أعظم من حماسته لدينه، فحماسة أبي جهل بالباطل وحماستك أنت بالحق، فـ أبو جهل الآن مشغول يقول: لمن الدائرة اليوم؟ من الذي انتصر اللات والعزى أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ ونقول: نحن صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال ابن مسعود: لقد أخزاك الله يا عدو الله ونصر الله دينه وأولياءه وجنده وحزبه، فانزعج أبو جهل لذلك.
هذا آخر سؤال تلفظ به، كان يفكر ويحمل هماً، لكن ما هو هذا الهم الذي يحمله فرعون هذه الأمة؟ إنه هم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وما أطول العجب من هذا الموقف ما قرأته إلا تعجبت! سبحان الله! رجل كافر يعبد صنماً يعرف أن المسألة كلها كذب، وما منعه من الإيمان والإسلام إلا الغيرة، وإلا الحرص على مكانته ومكاسبه وسلطته ورياسته في قريش، فما الذي يجعله يقول: لمن الدائرة اليوم؟! ويتساءل وهو ميت الآن لا محالة!! فكرت في ذلك طويلاً فلم أجد إلا أنني تذكرت أن اللاعبين الذين يتسابقون في ميدان الرياضة أحياناً إذا تسابقوا في السباق يسقط أحدهم ويكون شديد العناد والحماس، فإذا سقط تجد أن رجله تظل فترة طويلة وهي تتحرك حركة لا إرادية، كما لو كان يركض في الميدان وهو مسجى ملقى على ظهره، لماذا؟ إنها شدة العناد، إنها كبرياء الجاهلية وخيلاؤها وغرورها الذي اشتط بـ أبي جهل حتى جعله على رغم ذلك الموقف الصعب الذي يعيشه يتساءل لمن الغلبة اليوم؟ لمن الدائرة؟ ألمحمد وأصحابه أم للات والعزى؟