لاشك أن المؤمن إذا وضع في قبره وكان مؤمناً فإنه يفسح له مد بصره -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فلا معنى لسعة القبر حينئذ وضيقه.
أخي الكريم إنك ميت لا محالة، أفيسرك أن تموت في حضن غانية على ما حرم الله؟ أم تحب أن تقبض روحك وأنت ساجد لله عز وجل وتقول: سبحان ربي الأعلى، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ هما طريقان ما للمرء غيرهما فانظر لنفسك ماذا أنت تختار الموت قدر الجميع يقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول سبحانه {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] .
تهرب منه وقال: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8] .
وقال: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] لا مجال للعب واللف والدوران والخداع، الميت صادق واضح صريح لا يمكن أن يقول إلا الحق، لأن الأمور قد تكشفت له، فهو يرى الملائكة ويرى الحقائق التي كان ينكرها ويجادل فيها بالأمس، يراها اليوم عياناً لاشك فيها فيقال له: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] حاد ظاهر لا إشكال فيه.
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا حتى يرى خبراً من الأخبار طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار والنفس إن رضيت بذلك أو أبت منقادة بأزمة المقدار فاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفر من الأسفار وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عوار