وفي مقابل ذلك انظر إلى صورة الإيمان، انظر إلى طمأنينة المؤمن وإشراقه وسكينة قلبه حتى وهو يلفظ نفسه، سعد بن الربيع رضي الله عنه وأرضاه فيما رواه ابن سعد في طبقاته وابن الجوزي في صفة الصفوة وفي الثبات عند الممات وأهل السير كلهم ذكروا هذه القصة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهت معركة أحد قال: {من يذهب فينظر ماذا فعل سعد بن الربيع} .
فقام رجل ينظر ما فعل فكان يدور بين القتلى فرآه سعد بن الربيع فقال له: ماذا تفعل؟ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثني انظر ماذا فعلت؟ فقال: اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وأخبره أني ميت، وأني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأنفذت فيَّ فأنا هالك لا محالة، واقرأ على قومي مني السلام وقل لهم: يا قوم! لا عذر لكم إن خُلِصَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، الله أكبر.
سعد بن الربيع يموت الآن ماذا يهمه من أمر الدنيا؟ ما سأل عن زوجته، ولا سأل عن أطفاله الصغار، إنما بلغ قومه هذه النصيحة وأن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، هذا من حقه علينا صلى الله عليه وسلم، وثانياً: يا معشر الأنصار والمهاجرين ليس لكم عند الله عذر إن تمكن المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم واحد حي، وفيكم عين تطرف، قاتلوا دونه حتى تقتلوا عن آخركم وتستأصل شأفتكم.
فانظر كيف هو همّ سعد بن الربيع إنه همَّ الإسلام، لم يكن يربطه برسول الله صلى الله عليه وسلم نسب ولا قرابة إنما يربطه رابطة أنه يعلم أنه النبي الذي أنقذهم الله تعالى به من الضلالة، وبصرهم به من العمى، وهداهم به إلى طريق الجنة، فهو يعلم أن هذا النبي المختار له عليهم فضل أعظم من فضل الآباء والأمهات، وأن في بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً للإسلام والمسلمين، فلذلك كان هذا همَّه وهذا شأنه حتى وهو يجود بنفسه رضي الله عنه وأرضاه.
فهذان شخصان: في معسكر الكفر أبو جهل وفي معسكر الإيمان سعد بن الربيع، وقد ظهرت همومهم وهم على فراش الموت ولا شك أن لكل منهما هم كبير يملأ قلبه ويؤرقه ويقلقه ويحركه.