صوم العادة وصوم العبادة

اسأل نفسك -يا أخي الحبيب- حين تصوم: هل تصوم إِلْفاً وعادة؟ أم تصوم وفي أذُنك حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي رواه البخاري وغيره، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله تعالى بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً} أي: سبعين سنة فأنتَ اليوم صمتَ، فاعقد خُنْصُرَك على أنك صمتَ يوماً، صمتَ صوماً مظهرياً من حيث الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، لكن بقي الشرط الثاني: (في سبيل الله) ، فهل كان صومك في سبيل الله؟ إذاً فأبشر أن هذا اليوم الوحيد الذي صمتَه الآن، قد بعَّد -بمقتضى موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق حديثه- بعَّد وجهك عن نار جهنم سبعين خريفاً، فما بالك بمن يصوم ثلاثين يوماً، فما بالك بمن يصوم عشرات السنين، كل سنة يصوم فيها شهر رمضان، ويصوم ما يسَّر الله تعالى له من صيام النفل المشروعة، فهل تصوم هذا اليوم وأنتَ تستذكر هذا الموعود، وتحتسب هذا الأجر عند الله تبارك وتعالى؟ أم تصوم مع الصائمين دون استحضار نِيَّة ولا تصوُّر قصد؟ وقل مثل ذلك في كل عمل، يبدأ ذلك بأصل الدين والتوحيد الذي يدخل به الإنسان في زمرة المؤمنين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قد يقولها المنافق رياءً وسمعة، أو خوفاً من السيف، ويقولها المؤمن رجاء ثواب الله تعالى؛ فيحرم الله تعالى عليه النار، ويوجب له الجنة، بكلمة واحدة، فأنت إذا قلت: لا إله إلا الله، هل تقولها عادة جَرَت بها عادتك ومضت على لسانك؟ أم ترطب لسانك بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وأنت تتذكر ما رواه عتبان بن مالك رضي الله عنه، قال: {غدا عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، -أي: أتاه في منزله- فقال -عليه الصلاة والسلام-: ما من عبد يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك ما عند الله، إلا حرم الله عليه النار} حرم الله عليه النار بكلمة واحدة، مع أن هناك من قالها رياءً وسمعة، فلم تغنِ عنه شيئاً قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء:145] .

إذاً: قضية الاحتساب في الشهادة في أصل الإيمان، هي السر الذي يكون به العبد مؤمناً مسلماً، ويَدخُل الجنة ويُحرَّم على النار.

وقل مثل ذلك في الصلوات الخمس مثلاً، فهل أنتَ تؤدي الصلوات الخمس بحسب العادة، أو كما يقول بعض الشباب: من أجل أن يثبت الإنسان شخصيته، وأنه فردٌ مُنْتَمٍ إلى هذا المجتمع، موافق له في عاداته وأخلاقياته وتقاليده؟ أم أنك تؤدي هذه الصلوات الخمس احتساباً، وتتذكر حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي رواه أصحاب السنن بسند صحيح، أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: {خمس صلوات كتبهن الله على العباد، مَن أتى بهن، ولم يضيع شيئاً منهن استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة} .

إذاً: أنتَ تؤدي الصلوات الخمس، احتساباً لوجه الله تعالى، ويقيناً بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، من أن مهر دخول الجنة بعد الشهادتين أداء هذه الصلوات الخمس، وبين من يصلي بهذه العقيدة وبهذه النية، وبين ذاك الذي يصلي رياءً أو سمعة كما بين السماء والأرض، بل كما بين الجنة والنار، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّيْنَ * الَّذِيْنَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُوْنَ * الَّذِيْنَ هُمْ يُرَاءُوْنَ * وَيَمْنَعُوْنَ الْمَاعُوْنَ} [الماعون:4-7] .

وأنتَ تتوضأ وضوءك للصلاة، هل تتوضأ وضوءاً عادياً مألوفاً، ربما تنتهي من الوضوء وأنت لم تتذكر أنك تتوضأ؟ أم أنك تقوم بهذا العمل الجليل وأنت تسمع بأذُنك وتؤمن في قلبك، بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه: مسلم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} أبواب الجنة الثمانية تفتح لك خلال دقيقتين فقط، تقوم بهما بعمل الوضوء بنية واحتساب، فتُفتح لك أبواب الجنة الثمانية، تختار أيَّها شئتَ لتدخل منها، والحديث رواه الترمذي وزاد: {أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} .

وأنت تقرأ القرآن، سواءً كنت تقرؤه في مثل هذا الشهر الكريم، الذي هو شهر القرآن، أم تقرؤه في أي وقت من ليل أو نهار، هل تقرأ هذا القرآن هَذَّاً كَهَذِّ الشعر، همُّك الوصول إلى نهاية السورة أو إلى نهاية الجزء، أو إلى نهاية المصحف، أو أن تقول للناس: ختمت القرآن مَرَّةً أو عشراً أو مائة؟ أم أنك تقرأ وأنت تعلم أن لك ما أخبر به الصادق المصدوق -عليه صلوات الله تعالى وسلامه- في حديث ابن مسعود، الذي رواه الترمذي بسند صحيح: {من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول: "ألم" حرف، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ} .

إذاً: احسب وأنت تقرأ القرآن، أن الحساب يوم القيامة على قراءتك القرآن، ليس بعدد السور التي قرأتَها، ولا بعدد الأجزاء، ولا بعدد الصفحات، ولكن بعدد الحروف، فاحسب كل حرف تلفظ به فمك عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وبإمكانك أن تحسب سورة من أقل سور القرآن الكريم عدداً في الآيات، كسورة العصر -مثلاً- أو سورة الكوثر، واحسب عدد آياتها، ثم عدد حروفها، واضرب ذلك في عشرة لتعرف مقدار ما أعد الله لك من جزيل الثواب، إذا كان هدفك الأجر والاحتساب في مثل هذا العمل العظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015