أيها الإخوة! كل مَن رأى وجه أحد من الصائمين في هذا المساء؛ عرف أنه قد أمسى صائماً، وكيف لا يعرف ذلك، وهو يرى شفتيه وقد يبُسَتا وتقلصتا من أثر الصيام والجوع والعطش، وقد يرى أثر السكينة والإيمان ظاهراً جلياً على محياه، فإن كل مسلم يمسي في مثل هذه الأيام صائماً، حتى العصاة، حتى أولئك الذين بلغت بهم قلة الدين ورقة الورع وضعف التقوى، أن يُفَرِّطوا في صلوَاتهم، فإنهم لا يجرءون على ترك الصيام، بل تجدهم صائمين مع المسلمين، فمن باب أولى أن يكون روَّاد المساجد، وأهل حلق الذكر والمصلون، أن يكونوا هم أيضاً من الصائمين، وهذا مما ليس فيه شك ولا ارتياب، لكن الأمر الذي لا أدري هل هو منكَ على بالٍ، أم أنكَ عنه من الغافلين؟!!.
إنه ليس كل صائم صائماً، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب، وفرق أي فرق بين من يصوم عادة، وبين من يصوم عبادة، فرق أي فرق بين من يصوم طمعاً في ثواب الله وجنته وخوفاً من ناره وسخطه، وبين من يصوم انسجاماً مع قوانين المجتمع، أو مراعاة للعرف العام والوضع العام للمجتمع، أو حياءً من الناس، أو خوفاً من السلطان، فرق بين هذا وذاك.