السؤال يقول: إني أحبك في الله، ومشكلتي أني لا أجد الصحبة الصالحة وإذا استغنيت عنها وتبت إلى الله وسرت في الطريق الصحيح لم يمض علي شهر حتى أعود إلى ضلالي وهكذا، وإني في سن الرشد، أفيدوني ماذا أفعل، وكذلك إني استعمل العادة السرية وما حكم هذه العادة -وكأنه يقول- لا أستطيع التخلص منها، أو كيف أستطيع التخلص منها؟ وجزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم من البعيد أن الإنسان لا يجد الرفقة الصالحة، لأنني تحدثت من خلال المحاضرة عن الطائفة المنصورة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم من خلال الواقع أنه في كل بلد -لا أقول البلاد الإسلامية- بل حتى في البلاد الكافرة لا تكاد تدخل مدينة إلا وتجد فيها مركزاً ومسجداً وجالية إسلامية، وقوماً صالحين، فيجد الشاب بالبحث رفقه صالحة في المسجد أو في المدرسة ويستطيع أن ينضم إليهم ولا بد من ذلك، لأن الإنسان لا قوام له إلا بهؤلاء القوم الذين يعينونه على الخير، ويذكرونه ويحثونه عليه، وينهونه عن الشر؛ فإنه إذا انفرد تخلى وتخلى عنهم انفرد به الشيطان، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: {إنما يأكل الذئب القاصية من الغنم} .
أما سبب ضلال هذا الإنسان ورجوعه إلى الحور بعد الكور -أي: الضلال بعد الهدى- فإن السبب يرجع -والله تعالى أعلم- إلى أحد عوامل: فإما أن يكون هذا الإنسان له أصدقاء يزينون له الباطل، ولذلك قد يتوب ثم يغرونه بالباطل فيعود إليه مرة أخرى، أو أن يكون هذا الإنسان مقيماً على أسباب تحثه على الرذيلة مثل أن يشاهد التلفاز وما فيه من مسلسلات رديئة، أو فيديو، أو صور النساء في المجلات، أو يسمع الغناء أو يخرج إلى الأسواق وغيرها من المجالات التي تثير في الإنسان دوافع الغريزة والشهوة، فعليه: أن يمنع نفسه عن هذه المجالات وكما قيل: فإنك إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ فأول خطوات الوقوع في الرذيلة هو النظر إلى هذه الأشياء أو استماعها، وبالتالي تبدأ سلسة الخطوات حتى يصل الإنسان إلى الوقوع في الحرام، وعلى الإنسان أن يقي نفسه من الذهاب إلى هذه المواطن، أو مشاهده الأشياء السيئة، ويختار لنفسه الرفقة الصالحة، ويكثر من دعاء الله جل وعلا.
أما مسألة العادة السرية: فلاشك في تحريمها، والدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:6] فما عدا ذلك فهو محرم يلام الإنسان على الوقوع فيه.
كيفيه التخلص منها هناك أسباب كثيرة: منها ما ذكرت قبل قليل، ومنها إشغال النفس بالقراءة، واليوم للقراءة أهمية أساسية، واليوم الشباب لديه عزوف عن القراءة، القراءة الشرعية، القراءة العلمية المفيدة، القراءة الأدبية المفيدة، القراءة التاريخية، يشغل نفسه بالقراءة، يشغل نفسه وجسمه بالأمور المفيدة من عمل، أو حركة، أو رياضة مباحة، أو ما أشبه ذلك، كما أن من الوسائل ألا يكثر الإنسان من التفكير في هذه القضايا، وألا يأوي إلى فراشه إلا عندما يشعر بالحاجة إلى النوم، وإذا أوى إلى الفراش فإنه يعمل بالسُنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم من النوم على الجانب الأيمن، وقراءة الأدعية الواردة، وذكر الله حتى تغلبه عينه، ويحرص على ألا يكون بمفرده، وإذا شعر أن الشيطان بدأ يتسلل إليه فعليه أن يخرج ويختلط بالناس وخاصة الطيبين الصالحين، أو يشتغل بأي عمل.
وأؤكد مرة أخرى ما قلته قبل قليل: حين يستزلك الشيطان فتقع في المعصية، تب إلى الله، فإذا استزلك مرة أخرى فتقع تب إلى الله، يستزلك للمرة المائة فتقع تب إلى الله، لا تقل أنا والله تسعة وتسعين مرة وقعت، التوبة تجب ما قبلها، وهذا لا يعني التلاعب؛ لكن تب توبة صحيحة، توبة ندم وإقلاع وعزيمة على ألا تعود، فيمكن أن يقبض الله روحك وأنت على هذه الحالة الطيبة، ولو فرض أنك وقعت أيضاً تب إلى الله، وإياك أن يأتيك الشيطان، فيقول: أنت إنسان لا خير فيك، وربما تستسلم لهذا الأمر فهذا من أخطر المداخل للشيطان.