الذي يطلع على تفاصيل السنة يعجب أشد العجب، لا يوجد رجل في التاريخ كله من لدن آدم عليه الصلاة والسلام، إلى الناس الموجودين اليوم، الذين هم أحياء يتحركون بيننا لا يوجد إنسان حُفظ لنا من هديه وسيرته ودقائق وتفاصيل حياته مثل ما حُفظ لنا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في أدق الأمور, حتى وهو في الفراش مع زوجته, إلى هذا الحد, حتى وهو يقضي حاجته.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -مثلاً- إذا أراد من زوجته -وهي حائض- شيئاً ألقى عليها ثوباً، كما في حديث ميمونة رضي الله عنها, وكما في حديث عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في سنن أبي داود وسنده قوي.
وفي الصحيحين عن عائشة وميمونة رضي الله عنهما: {أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر زوجته فتتزر فيباشرها وهي حائض} وليس المقصود بالمباشرة الجماع, المقصود بالمباشرة: هو أن يمس بشرته بشرتها، هذا معنى المباشرة.
كيف كان يغتسل صلى الله عليه وسلم؟ كيف كان يقضي حاجته؟ كيف كان يتوضأ؟ كيف كان يشرب؟ كيف كان يأكل؟ وحين تنتقل إلى صفة خَلْقِه صلى الله عليه وسلم تجد كتب السنة حفظت لنا صفاته الخلقية، والتي قد يتبادر للإنسان أنه ليس هناك فائدة منها, كم شعرة بيضاء في لحية الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى هذا الحد! كيف كان شعره؟ كيف كان طوله وقامته ولونه وبشرته؟ وكيف كان حذاؤه صلى الله عليه وسلم، وإزاره ورداؤه؟ جميع التفاصيل المتعلقة به صلى الله عليه وسلم أصبحت محفوظة لنا في كتب السنة.
ما غادرت كتب السنة دقيقاً ولا جليلاً مما يتعلق بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أو صفته الخلقية والخُلقية إلا بينته.
ولذلك من رحمة الله وحكمته، أن أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم من الزوجات ما لم يبح لغيره, فقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة, فحفظت لنا هؤلاء النسوة من تفاصيل حياته البيتية الشيء الكثير.
وحتى هذه الأمور الخَلْقية، التي يظن البعض أنه لا حاجة كبيرة إليها, فالواقع أن لها حاجة كبيرة جداً، ويستفيد الناس منها في مجالات كثيرة وعديدة, منها أنها آية بينة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم, لأننا نقول لكل الناس: هاتوا لنا رجلاً حفظ التاريخ من تفاصيل حياته مثلما حفظ التاريخ عن تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا موسى عليه الصلاة والسلام، هذا عيسى عليه الصلاة والسلام، له أتباع كثيرون اليوم في الدنيا الذي يدعون -وهي دعوى لا شك أنها ليست صحيحة لكنها دعوى- أنهم أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، اليوم من حيث الناحية العددية قد يكونون أكثر من المسلمين بكثير, لكن دعوهم يأتون لنا بتفاصيل حياة عيسى عليه الصلاة والسلام, هيهات لهم، لا يستطيعون! بل حتى المعلومات التي يعرفونها عن حياة عيسى عليه الصلاة والسلام هي معلومات غير موثقة, لو شككناهم فيها ما استطاعوا أن يثبتوها لنا, لكن فيما يتعلق بنا نحن المسلمين حتى عدد الشعرات في لحية الرسول عليه الصلاة والسلام نستطيع أن نثبتها بإسناد صحيح متصل لا يرقى إليه شك.
كما أنه يستفاد منها في مجالات أخرى مثلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: {من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي} حينئذٍ إذا رأى الإنسان في منامه شخصاً يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحتاج إلى أن يعرف صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليطمئن إلى أن الصفة التي رأى الرجل في المنام عليها، هي صفة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلاً، وليست صفة أخرى, إلى غير ذلك.
إذاً فلا بد أن يعقد الإنسان العزم على تعلم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفصيلاً، بعد أن عقد العزم على العمل بها.