أمور يجب التنبه لها عند تعلمه السنة

وفي هذا المجال يحتاج الإنسان إلى أن ينتبه إلى أمور: أولاً: قد يقع الإنسان -أحياناً- في أمور يقرؤها في الكتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم, فيظن أنها من السنة وهي ليست من السنة, لأن مما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، منه ما هو مجال للقدوة والاتباع, ومنه ما هو من الأمور البشرية الطبيعية، التي لا مجال فيها للاقتداء, بل فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم الجبلة البشرية أو فعله بحكم العادة.

مسألة اللباس: فمثلاً فيما يتعلق باللباس, الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يلبس العمامة, فهل يعني ذلك أن لبس العمامة أصبح سنة؟ لا يلزم ذلك, لأنه لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم أن العرب كانت تلبس العمامة.

إنما كون الإنسان يوجد في مجتمعنا الذي اعتاد على لبس الطاقية والغترة -مثلاً- لا يعني أن الإنسان يخلع ذلك ويرتدي عمامةً ويقول: أنا أتبع السنة! كذلك لبس الإزار والرداء, والعرب كانت تلبسهما, وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم, فهل يعني ذلك أن الإزار والرداء أصبحت سنة، بحيث حين يوجد الإنسان في مجتمع يلبس الثوب كما نفعل نحن الآن يخلع ثوبه ويلبس إزاراً ورداءً ويقول: اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، ليس ذلك بلازم أو نوع معين من الحذاء، كان يلبسها صلى الله عليه وسلم.

هذه الأشياء ليست سنة بذاتها, إنما السنة تتعلق بصفتها, فمثلاً: صفة القميص أو صفة الكم أو صفة الثوب هذه تؤخذ من السنة, فقد ثبت في السنة مثلاً أن الثوب يجب أن يكون بصفات معينة, مثل ألا يكون محرماً، ألا يكون حريراً ولا مغصوباً ولا مسروقاً، وألا يكون فيه إسراف أو مباهاة، وألا يكون ثوب شهرة، وأن يكون فوق الكعبين، وما أشبه ذلك من الضوابط العامة للباس فهذه تؤخذ عن السنة، أما ما عدا ذلك من التفاصيل، فلا يلزم من كون الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعض أصحابه لبسوها؛ بحكم أنها لباس المجتمع في ذلك العصر أنها أصبحت من السنة.

كما أنه ليس من الصحيح أن نقول: من السنة -مثلاً- أن تكون البيوت بصفة معينة, لأن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت هكذا.

فليس كل ما قرأ الإنسان أنه موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو النبي صلى الله عليه وسلم فعله أنه من السنة, فلا بد للإنسان أن يفرق بين ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريع للناس وبين ما فعله بحكم الجبلة أو بحكم العادة، أو ما أشبه ذلك.

فهذا قد يقع فيه البعض وربما يخالفون عادات موجودة في مجتمعاتهم، ويلفتون النظر في هذه الأشياء مع أنها لو كانت سنناً ثابتة؛ لقال الإنسان: لا بأس، الإنسان يعلم السنة بقوله وفعله, لكن ما لم يثبت أنها سنة, فالأولى للإنسان ألاَّ يفعل أمراً يعاب عليه ويستنكر منه.

مسألة إطالة الشعر: كما يدخل فيما سبق عند كثير من أهل العلم مسألة إطالة شعر الرأس فالرسول صلى الله عليه وسلم كان له شعر أحياناً يصل إلى منكبيه, وأحياناً إلى أذنيه, لكن هذا الشعر الذي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم هل تركه بحكم العادة لأن العرب كانت تفعل ذلك؟ أو تركه على سبيل التشريع؟ من العلماء من قال هذا, ومن العلماء من قال هذا, والذي يظهر لي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركه على سبيل العادة.

فنقول للإنسان: إن كان يريد أن يترك شعره؛ فيستحب أن يكرم هذا الشعر ويعتني به, كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل, ويستحب له -أيضاً- أن يحلق شعره في الحج والعمرة, أما إن حلق شعره أو قصره فلا شيء في ذلك وليس مخالفاً للسنة, وهذا الذي يظهر لي أن ترك الشعر لا يمكن أن يقال: إنه سنة بذاته.

ثانياً: قد يظن الإنسان أو يتصور أن هناك أشياء هي -أيضاً- سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكم فهم سبق إلى ذهنه, وهنا -أيضاً- لا بد أن يتثبت الإنسان، ويتأكد من أن هذا العمل الذي يعمله هو من السنة, خاصة حين يكون هذا العمل يكثر حوله الجدل, كأن يكون أمراً مخالفاً لعادة الناس في المجتمع -مثل ما ذكرت قبل قليل في قضية العمامة- أو يكون أمراً فيه مشقة على الناس فلا بد حينئذٍ أن تنظر وتتأكد وتتثبت فعلاً أن الأمر سنة ثابتة لا إشكال فيها, لأنه من الصعب اليوم أن تواجه الناس بأمر من الأمور، فإذا أنكروا عليك قلت: يا أخي هذا سنة وبعد أن تبحث وتناقش العلماء وتراجع الكتب, ترجع وتقول: فعلاً أنا أخطأت، هذا الأمر كنت أظنه سنة والواقع أنه ليس من السنة! مسألة الاضطجاع قبل صلاة الفجر:- ولعلي أضرب لذلك أمثلة: - الرسول عليه الصلاة والسلام كان بعدما يصلي راتبة الفجر، يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتي بلال فيؤذنه بالصلاة, فقال بعض العلماء: إن هذه الاضطجاعة مشروعة, بل بالغ ابن حزم رحمه الله، فقال: إنها واجبة, بل إنه يقول: إن من لم يفعلها يعيد الصلاة، هذا ما أذكر أنه قالها في كتاب "المحلى" وهذه مبالغة عجيبة وغريبة من مثله رحمه الله في سعة علمه, لكن كل إنسان يخطئ ويصيب المهم أنه بالغ في القول بسنية هذه الاضطجاعة, والعلماء فيها مختلفون, لكن الأظهر أنها ليست مشروعة لذاتها.

فكون الإنسان -أحياناً- يأتي إلى المسجد وقد صلى الراتبة في البيت، الإمام -مثلاً- يصلي الراتبة في البيت، ثم يضطجع قليلاً، ثم يقوم إلى المسجد، الأمر هين، لكن المشكلة إذا جاء الإنسان -وهذا يحدث أحياناً- فاضطجع في المسجد فتأتي إلى المسجد فتجد مجموعة من المتسننة وقد اضطجع كل واحد منهم على شقه الأيمن, لماذا يا فلان؟ هل تحول المسجد إلى مكان للنوم؟ قال: لا، هذه سنة.

فهذه السنة، إن صح أنها سنة، لا شك أنها مثيرة للناس، ولا ينبغي أن نبادئ الناس بأمر نحن غير متأكدين منه, وربما لو راجعنا وبحثنا ودققنا؛ لوجدنا أن الراجح أنها ليست بسنة, فنرجع لنقول: نعم نحن المخطئون.

وهذا يذكرني بقصة يقول لي أحد الشباب: إن عنده امرأة عجوز، كانت تقرأ القرآن على حسب ما تعلمت في صغرها, فكانت إذا جاء موضع فيه "وَهُوَ" تقول: (وَهْوَ) بسكون الهاء, فالولد يعلمها ويقول: يا أمي لا ليست (وَهْوَ) إنما هي بضم الهاء (وهُوَ) , فحاول والأم أعرضت عنه وتركته, وظلت على ما هي عليه, وقالت: هكذا تعلمت, وأصرت على تعلمها, فبعد فترة وجد ابنها من خلال قراءته أن هذه قراءة بسكون الهاء, فجاء إلى أمه وقال لها: استمري على ما كنتِ عليه لا مانع أن تقرئيها بسكون الهاء فقالت له: أنا ما استمعت إليك من الأصل، هي ما رفعت رأساً لما وجهها إليه, وهو جاء من بعد أن وجد ذلك في قراءات معروفة فلا بأس أن تقرأ بالسكون ما دامت قد أصرت على هذا الأمر واعتمدت على ما هي عليه.

فليس جديراً بالداعي إلى السنة أن يبادئ الناس بسنة، إلا بعدما يتثبت -فعلاً- أن السنة لا إشكال فيها.

مسألة تسوية الصفوف: مثل آخر غير الاضطجاع في الفجر وهذا المثل ربما قد سبق أن ضربته في بعض المناسبات وأعيده لأهميته أيضاً، وهو: مسألة رص الصفوف في الصلاة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير وهو في الصحيحين وكذلك في حديث أنس أنه كان يقول لأصحابه: {لتسوّون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم} قال الراوي: [[فلقد رأيت أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه]] وفي رواية صحيحة [[وركبته بركبته]] فأحياناً بعض الطلبة المجتهدين، حين يقرأ مثل هذا النص، يقوم بتطبيق هذا النص بصورة حرفية, فتجد أنه إذا صلى إلى جنب إنسان يجتهد أن يلزق كعبه بكعبه ومنكبه بمنكبه، ويتكلف في ذلك تكلفاً شديداً, وربما وصل -أحياناً- إلى إيذاء من يكون بجواره, وهو نفسه انشغل عن صلاته، وعن الخشوع فيها، وعن النظر إلى موضع السجود، بالنظر إلى موضع العقب، وكثرة الانشغال به، والنظر إذا كان هناك فجوة إلى غير ذلك, ويبالغ في ذلك مبالغة شديدة!! نحن يجب أن نكون واضحين أيها الإخوة, إذا ثبت لنا بالدليل الصحيح أن هذه سنة لا كلام فيها، فنحن نطبق هذا الأمر ونعود الناس عليه بكل وسيلة ولعلنا نجد فرصة في آخر المحاضرة للحديث عن بعض الوسائل المفيدة في نشر السنة.

لكن قبل أن تطبق هذا الأمر بهذه الصورة، تأكد أنه سنة فعلاً, حتى لا تتراجع عنه، وحتى لا تكون قد تسببت في وجود التبرم والضيق، عند كثير من الناس من مبتدعي السنة في أمر لم يثبت لديك أنه سنة, والذي يظهر لي أنا في ما يتعلق بهذه القضية أن المقصود هو: ألاَّ يوجد فجوة بين الصفوف، لا يوجد فراغ بين المصلي ومن بجانبه، وكذلك ألاَّ يكون هناك تقدم أو تأخر في الصف، بل أن يكون الصف كله على استقامة واحدة وسمتٍ واحد, ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {لتسوون صفوفكم} التسوية تعني: أن لا يوجد واحد متقدم وآخر متأخر, بل أن يكون الصف مستقيماً مستوياً على سمت واحد, وما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لتسوون صفوفكم} والصحابي يعقب على الحديث بقوله: {لقد رأيت أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه} دل على أن المقصود من هذا الإلزاق: الاطمئنان إلى أن الصف مستوي, فكلما دعت الحاجة إلى الإلزاق والاطمئنان إلى أن الصف مستوٍ فعل, وذلك لأن الجسم استقامة على الكعب وليست على الأصابع، كما يفعل بعض الناس أنه يساوي أصابعه بأصابع الذي بجواره فالأصابع ليس من الضروري أن تكون مستوية، المقصود أن يكون الجسم مستوياً, والجسم استقامته على الكعب, فإذا كانت الأكعب مستوية فالأجسام -أيضاً- مستوية.

فكلما دعت الحاجة إلى إلزاق الكعب بالكعب؛ للاطمئنان إلى استقامة الصف فعل الإنسان, أما أن يكون طيلة الصلاة ملزقاً كعبه بكعب صاحبه؛ فإنني أقول: إن هذا متعذر, ويلزم عليه أن يرفع الإنسان قدمه ويبالغ في رفعها، حتى يلزق كعبه بكعب صاحبه, وجرّب ذلك؛ تجد أنه لا يمكن أن تكون القدم على الأرض ومع ذلك قد ألزق المصلي كعبه بكعب من جواره, لا بد أن يوجد بينهما ولو فراغاً يسيراً, كما أن في ذلك مشقة عظيمة.

إضافة إلى أننا نعلم أن الله خلق أقدام الناس ليست على استقامة واحدة, بل القدم اليمنى بطبيعتها تميل إلى جهة اليمين, والقدم اليسرى بطبيعتها تميل إلى اليسار, فإذا مشى الإنسان فإن اليمنى تتجه لليمين وال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015