النقطة الثالثة: من واجبنا تجاه سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو: العمل بهدي السنة، فبعد أن يعلمها الإنسان لا بد أن يعمل بها, ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء} .
وقد يقول إنسان: ما معنى السنة الحسنة؟ فأقول: معنى السنة الحسنة يوضحه الحديث نفسه, وهو حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم, قال: {جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم حفاة عراة مجتابو النمار، متقلدو السيوف أو العباءة، عامتهم من مضرأو كلهم من مضر، قد جرى عليهم الفقر والفاقة, فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وتغير لما رأى بهم من الفاقة، ثم دخل فخرج فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب الناس، وقرأ الآية التي في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] ثم قرأ الآية التي في سورة الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] ثم حث الناس على الصدقة فقال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه من صاع بره، من صاع تمره من ثوبه حتى قال ولو بشق تمره, فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها, بل قد عجزت حتى رأيت كومين من الطعام والثياب فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنه مُذْهَبةٌ} أي: كأنه قبة مطلية بالذهب, فرحاً بتسارع الناس إلى الصدقة, وحمد النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى على أولئك الذين سارعوا في الصدقة حتى رآهم الناس فتحركت أريحيتهم للبذل والعطاء, لأن بعض الناس إذا رأى الإقبال على الخير والذكر والطاعة والعبادة والصدقة سارع إليها، لكن لو لم يرَ أحداً ربما لم يفعل, فكثير من الناس قد لا يكون عنده من قوة الإيمان وقوة الدافع أن يبدأ هو بفعل الخير، لكن إذا رأى غيره يفعل الخير، سارع إلى فعل هذا الخير.
فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع: {من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده} أي: أول إنسان تصدق فرآه الناس فحثهم على الصدقة، فتصدقوا، هذا الإنسان له أجره وأجر من عمل بهذه السنة.
ولذلك نقول: الذين يحثون الناس بقولهم وفعلهم على الدعوة إلى الله عز وجل, على طلب العلم الشرعي وتعلمه وتعليمه, على الجهاد في سبيل الله بالسيف والسنان, على نشر السنة قولاً وعملاً, على الصدقة والبذل والعطاء، الذين يدعون الناس إلى هذه الأشياء، لهم أجرهم وأجر من عمل بهذا العمل الذي يدعون إليه إلى يوم القيامة.
فهذا من الدعوة إلى الهدى وإلى السنة، وفي الحديث الآخر، من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء} وبالمقابل {من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء} .