مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المجال الثاني: هو مجال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ففي أوساط المرأة، كما في أوساط الرجل تنتشر المنكرات، ولمجتمعات النساء منكرات لا توجد في مجتمعات الرجال، وربما لا يسمعها الرجال -أيضاً- وربما تكون من نوع خاص، والمطلوب من المرأة أن تحتسب على المرأة من بنات جنسها، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بما تستطيع: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} .

وحين قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] لم يخص الرجل دون المرأة أبداً، ولا خص العالم دون الجاهل، بل كل من علم أن هذا منكراً وجب عليه إنكاره إن استطاع بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن عجز فعلى أقل تقدير يعلم الله من قلبه أنه له كاره، ويقوم بمغادرة المكان الذي يعمل فيه هذا المنكر.

إذاً: على المرأة أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر بالأسلوب الحسن، بالكلمة الطيبة الهادئة، البعيدة عن التجريح، والإثارة، والاندفاع، وأن يكون حرص المرأة على الإصلاح دائماً وأبداً، وأن تتجنب قدر المستطاع حظ النفس، فقد تدعو المرأة فلا يستجاب لها فتغضب حينئذٍ، لماذا لم يستجب لها؟ لا.

بل عليها ألا تغضب وأن تصبر، وأن تكرر الدعوة، وألا يدخل في الأمر شيء شخصي على الإطلاق، ولا تقل: لماذا لم يستجيبوا لي وأنا فلانة؟! بل ينبغي أن أحاول أن أصبر عليهم، وأتدرج معهم شيئاً فشيئاً؛ حتى أتمكن من هدايتهم والتأثير عليهم بإذن الله تعالى، والله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] فعلينا أن نكون لبقين في إصلاح الخطأ سواء كان هذا الخطأ عند عامة الناس، أو عند كبيرات السن، وكبيرات السن أحوج للباقة وإلى الهدوء وإلى التدرج معهن، منه عند بعض المتعلمات وبعض الطالبات، فإن الطالبة قد تكون -أحياناً- في فترة مراهقة وبحاجة إلى صبر، وإلى سعة صدر، وإلى حلم وقلب ينفتح لها، لتبث همومها، وشئونها، وشجونها، ومشكلاتها، وماذا تعاني في البيت، وما هي المشكلة التي وقعت فيها، ليمكن بعد ذلك انتشالها مما تعانيه، وإخراجها من المشكلة التي تواجهها.

كذلك قد تكون المخالفة على زميلة من زميلاتها، بل قد تكون على داعية أو طالبة علم، فحينئذ لا يجوز أبداً أن تكون الدعوة من خلال التشهير والنيل، ومن خلال الكلام الجارات، فإن هذا يزيد القلوب تفرقاً، ويزيد الصفوف انقساماً، ويسبب الشحناء، والبغضاء، وهو من مداخل الشيطان، ولذلك قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:53] .

إذاً: من أعظم مداخل الشيطان في النزغ بين العباد هو: القول السيئ، فالكلمة النابية، والعبارة الخشنة توغل الصدور، وتغير القلوب، وتسبب الإعراض، والبغضاء، والشحناء، والأحقاد، وأظن أننا نحن المسلمين لسنا بحاجة إلى شيء من ذلك، نحن أحوج ما نكون إلى وحدة الصف، والبعد عن الانقسامات، والاختلافات، ولذلك أقول: إذا وجد ما تعتقدين أنت أنه خطأ عند داعية أخرى، أو زميلة أو حتى مجموعة من الداعيات أو من البنات، فلا يجوز أبداً أن تكون القضية تبادل التهم والقيل والقال، والتشهير وما أشبه ذلك؛ لأن أمامكنَّ مجتمع مليء بالمخاطر، وبالمنكرات، وبالانحرافات، وهو يناديكنَّ، وهو بأمس الحاجة إليكن، فلماذا نعرض عن هذا المجتمع، ونغفل عنه، وننشغل فيما بيننا بمشكلات أو خلافات، أو مسائل هي اجتهادية قابلة للأخذ والرد، وقابلة للخطأ والصواب، ومن الممكن المراجعة فيها، ومن الممكن استشارة من يكون أعلم منا بها.

وإن مما يؤسفُني ويحزنني أن أسمع أنه يوجد أحياناً في أوساط بعض الفتيات الطيبات مثل ذلك، من تبادل التهم، والأقوال، والألقاب، وهذه الأسماء والمُسَمَّيَات التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذه كذا، وهذه كذا، مع أنها أمور ليست واقعية، إنما هي أوهام كبيرة، نفخت فيها الشياطين، وكبرتها، واختلقتها، وجعلت من لاشيء شيئاً؛ حتى صدقنا ذلك، وصرنا نسير به، وكأنه واقع وكأننا نعتبر أن العقل، والحكمة، والفطنة، والذكاء، تقتضي أن نقول ذلك، وأننا إذا جادلنا في وجود هذا الشيء، أو جادلنا فيه، فمعنى ذلك: أننا مغفلون، أو لا ندري عن الأوضاع، أو لا ندري عن الحقائق.

عندنا قاعدة شرعية هي أخذ الناس بالظاهر - دعك من باطنه دعه- حتى المنافقون الرسول عليه الصلاة والسلام كما في حديث كعب بن مالك وهو في الصحيحين لما جاءوا يعتذرون منه عليه الصلاة والسلام بعد معركة تبوك، مع أنهم تخلفوا عن الغزو والجهاد وقعدوا، مع ذلك لما جاءوا يعتذرون من رسول الله عليه الصلاة والسلام قَبِلَ مِنْهُمْ وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، فليسعك أيها المسلم، وليسعك أنتِ أيتها المسلمة، أو أيتها الداعية ما وسع رسول الله عليه الصلاة والسلام مع المنافقين، وهم منافقون في الدرك الأسفل من النار بايعهم، واستغفر لهم، وقبل منهم على نيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.

ترك السر ليوم الحساب، ودع السر لرب الأرباب، أنت تتعامل مع الظاهر، أما الخفي فدعه، واعتقد أننا لو عملنا بهذه القاعدة الذهبية العظيمة -وهي أصل واضح- لزالت كثير من الإشكالات، والقضايا، والتهم، والأمور، التي قد نقوم بها ونظن أن ذلك نوعاً من الاحتساب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواقع إنما هو نفخٌ في نار الخلاف والفتنة التي قد تقع بين المسلمين والمسلمات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015