قضية أخرى لـ عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري، وهي قصة طويلة جداً في نحو ثلاث صفحات، لا يملك مؤمن أن يقرأها إلا ويبكى وتسيل دموعه، لكنني لا أستطيع؛ لضيق الوقت أن أسردها عليكم، لكن أذكر لكم موقفاً واحداً فقط منها.
دخل عليه غلام من الأنصار، فسلم عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، فعلت، وفعلت، وفعلت، وزكاه ومدحه، فلما أدبر نظر عمر فإذا هذا الشاب ثوبه فيه طول، طويل بعض الشيء، فقال: ردوا عليَّ الغلام.
فرجعوا إليه قالوا: أمير المؤمنين يريدك.
فقال: [[يا ابن أخي، ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأبقى وأنقى]] أتقى وأنقى وأبقى، يلقي الحكمة وهو يموت.
كلمات حكمة تكتب بماء الذهب.
يا ابن آخي: ارفع إزارك، أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، لم يقل: هذا أمر بسيط، أو هذه قضية شخصية، لا، أمور الدين كلها عظيمة، لأن الدين عظيم جاء من عند عظيم (ارفع إزارك) .
ثم يوصيه ويبين له فوائد هذا الأمر من ناحية دينية، ومن ناحية دنيوية، هذا أتقى لله وأبقى للثوب؛ لأن الثوب إذا طال يمس الأرض فتصيبه، وسرعان ما يبلى، وأنقى له من أن يصيبه -أيضاً- وسخ أو قذر، فهو أتقى وأنقى وأبقى.
ولم يلهه ما هو فيه من أمر الموت أن ينبه هذا الغلام على أن ثوبه طويل.