ثالثاً: الحصار الاقتصادي، أما في مكة ففي شعب أبي طالب ظلوا سنوات محصورين في الشعب، لا يصل إليهم طعام ولا شراب ولا لباس ولا شيء إلا على سبيل الاستخفاء، حتى سمع صياح الأطفال وتضاغيهم من بعيد، وقريش المشهورة بإكرام الضيوف والنجدة والكرم والحمية لا ترق على هؤلاء، لماذا؟ لأن المسألة مسألة كفر وإيمان، فحاصروهم في ذلك الشعب حصاراً طويلاً حتى زال ذلك الحصار.
أما في المدينة فقد قال المنافقون قولتهم المشهورة: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون:7] إنهم يظنون أن المال عندهم، وأن توقفهم عن الإنفاق أو الصدقة أو بذل المرتبات لمستحقيها أو ما أشبه ذلك، أنه يكون سبباً في بُعد المؤمنين وانحيازهم، والواقع أن هذا لا يزيد المؤمنين إلا صدقاً، لأن أولئك المؤمنين ما جاءوا يطلبون مالاً ولا دنيا ولا جاهاً إنما جاءوا يطلبون ما عند الله، والرسول عليه الصلاة والسلام -أيُّ رسول- ما كان يعدهم أبداً بالملك، ولا يعدهم بالمناصب الوزارية، ولا يعدهم بالتمكين الدنيوي إنما كان يعدهم على أن يبايعوه ولهم الجنة، أما دون ذلك فالأمر إلى الله إن شاء نصرهم؛ وإن شاء نصر الجيل الذي بعدهم، فالأمر بيد الله يؤتيه من يشاء، ولهذا فأولئك المؤمنون مقاييسهم مختلفة لا ينظرون إلى الدنيا ولا إلى زخرفها ولا إلى المال.