كذلك افتعل هؤلاء الخصومة والعداوة بين أصحابه صلى الله عليه وسلم وحاولوا أن يثيروا نعرات الجاهلية مرة بعد أخرى، وبذل المنافقون في ذلك جهداً وعناءً عظيماً، وكلما جاءت مناسبة؛ كما في قصة المريسيع التي قام فيها المنافقون، فقال قائل: يا للمهاجرين، وقال آخر: يا للأنصار، حتى كادوا أن يقتتلوا، ومرة أخرى كما في صحيح البخاري: {مر النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم ودعاهم إلى الله، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: ما أحسن ما جئت به، لكن إن كان ما جئت به حقاً فلا تَغْشَنا في مجالسنا، اجلس في بيتك ومن أحبك جاء إلى بيتك، فقال بعض الصحابة: بل اغشنا يا رسول الله، فإنا نحب ذلك، فتثاور الحيان حتى كادوا أن يقتتلوا، فما زال النبي -صلى الله عليه وسلم يخفظهم حتى سكنوا} فحاولوا أن يفتعلوا الخصومة والعداوة بين المؤمنين، ويفرقوهم جماعات.
كان اسم المهاجرين واسم الأنصار اسم شرعي إسلامي ذكره الله تعالى في القرآن، وذكره النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث، ولم يرتبط بهذا الاسم عصبية ولا حزبية ولا قبلية ولا عداوة، بل كان سبيلاً للمنافسة في الخير، فاستغله المنافقون أو حاولوا أن يحولوه إلى عداوة، أن يكون المهاجرون ضد الأنصار؛ أو أن يكون الأنصار ضد المهاجرين من أجل أن تثور العداوة بينهم، لأنهم يعرفون أنه لا تروج بضاعتهم ولا تنفق سوقهم؛ إلا حينما يشتبك المؤمنون فيما بينهم، وينشغل بعضهم ببعض، فحينئذٍ سيكون لليهود فرصة، وسيكون للمنافقين فرصة، وسيكون للمشركين الوثنيين فرصة، أما إن كانت كلمة المؤمنين مجتمعة فإنه لا شأن لهؤلاء جميعاً.