موسى مع فرعون

فأولها: أذية فرعون له ولقومه واستعبادهم، حتى طغى واعتدى وتسلط على بني إسرائيل وعلى غيرهم، وآذاهم أشد الأذى وكانت السجون ملأى {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:29] أي: إن المساجين بمئات الألوف؛ وأنت سوف تكون واحداً منهم فقط، إذا عبدت غيري ووحدت الله تعالى، فعقابك سهل بالنسبة لنا، كل ما في الأمر أنك تكون واحداً من المسجونين، وننساك طيلة عمرك في السجن ولا نفطن لك أبداً.

ثم القتل والتعذيب حتى كان فرعون يقتل سنة كل المواليد خشية أن يكون من بينهم من زوال ملكه على يده، ثم بعد ذلك كله الاستعباد حتى كان يقول لهم: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ولا يسمح لأحد أن يفكر بغير طريقته، ولا أن يتعبد بغير ملته ومذهبه، ولا أن يعبد غيره، ونشأ على هذا الصغير والكبير، حتى إن ماشطة بنت فرعون لما سقط المشط من يدها؛ فقالت: بسم الله -وكانت مؤمنة- فقالت لها ابنة فرعون: الله، تعني فرعون أبي، قالت: لا، ربي وربك ورب أبيك الله رب العالمين، قالت: سوف أخبر والدي، قالت: أخبريه، فلما أخبرته جاء بها فأقرت وأصرت، فأحضر لها نقرة من نحاس، وأوقد عليها بالجمر حتى أصبحت تتوقد حمراء، ثم أحضر أطفالها فوضعهم في هذه النقرة حتى احترقوا أمام ناظريها وعينيها وهي تراهم يسوَدُّون فحماً وحمماً أمامها.

وهي الأم الحنون العطوف التي يسيل قلبها رقة على أولادها، ومع ذلك تجلدت وصبرت صبر الرجال بل صبر الأشداء، ثم قالت له: لي إليك حاجة، وربما فرح الفرعون وظن أنها سوف تتراجع أو تتخلى، أو على الأقل تتظاهر بالموافقة، فقالت: أن تجمع عظامي وعظام أولادي في قبر واحد، قال: ذلك لك علينا من الحق، ثم أخذها وأحرقها معهم: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:10-14] .

بل سلط فرعون أجهزة الأمن على الناس تراقبهم وتعد حركاتهم وسكناتهم وأنفاسهم؛ وتكتب عنهم التقارير، وتحصي عليهم كل شيء خشية من المؤمنين ومن الإيمان: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء:54] كما هي العادة فرعون يخطب خطبة في شعبه فهو يريد أن يقول: هؤلاء قلة ليس لهم وزن ولا اعتبار ولا أهمية هم شرذمة قليلون: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:55-56] وكلمة حاذرون هذه يدخل تحتها كل ألوان المكر والكيد والتخطيط والتدبير والمراقبة التي كانت أجهزة فرعون تعملها ضد الأخيار، وضد الذين يعتبرون متهمين في نظرهم، فلقي المؤمنون -موسى عليه السلام وهارون ومن معهم من المؤمنين- لقوا ألوان الأذى من تسلط فرعون وأذيته لهم.

ثم خرج موسى بقومه، وخرج فرعون وراءه حرباً لهم يريد أن يقتلهم ويستأصلهم، حتى كان البحر أمامهم وفرعون وجنده وراءهم، حينئذٍ ضرب موسى بعصاه البحر ونجا ومن معه من المؤمنين، وأغرق الله تعالى فرعون ومن معه فحينئذٍ مكن الله تعالى للمؤمنين ولبني إسرائيل ولموسى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015