موسى مع بني إسرائيل

بدأت مشكلة موسى حينئذٍ مع بني إسرائيل، مع هؤلاء الاتباع فإنهم يتلونون ويغيرون ويبدلون ويتراجعون، ويحتاجون إلى جهد كبير مرير طويل، وإلى تربية وإلى صبر، فهم يقولون له يوماً: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة:61] يعني: تتركون المن والسلوى طعاماً لذيذاً حلواً، عسلاً وطيوراً وتطلبون الثوم والبصل، ثم يقولون له: حين قال لهم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] فقالوا له: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:67] أموسى يخاطب بهذا الأسلوب؟ أكان يهزأ وهو يقول لهم: إن الله يأمركم، هل يكون الهزو في أوامر ينقلها لهم: أن الله تعالى أمرهم بها؟! كلا! بل يأمرهم فيقولون: سمعنا وعصينا، ثم يقولون له: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] بل قال لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:58-59] قالوا: حنطة، ودخلوا يزحفون ويقولون حبة في شعيرة، يعني كلاماً ليس له معنى على سبيل السخرية والاستهزاء.

ولهذا موسى عليه الصلاة والسلام لما مر به النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج: {فقال له: بمَ أمرك ربك؟ قال: بخمسين صلاة، قال: إني قد جربت الأمم قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، ارجع لربك فاسأله التخفيف} والحديث في صحيح البخاري، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت الصلوات خمساً، فقال الله تعالى في الحديث: {هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي} .

المهم أن موسى قال: وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، مع أن هذه الأمة لا تقارن ببني إسرائيل فهم أطوع لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، وأسرع في الخير، بل هم أفضل الأمم وأول من يدخل الجنة؛ كما أن نبينا محمداًصلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل وخاتمهم وأول من يدخل الجنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015