حسد إخوة يوسف

المحنة الأولى: كانت أول محنة يوسف: حسد إخوته، حسدوه على مكانته عند أبيه ومحبته له وقالوا: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف:8-9] لقد ألقوه في البئر فبيع، وعومل معاملة الرقيق وبعد عن الأهل وحيل بينه وبين أبيه وإخوته، وتغرب عن وطنه وعاش غريباً في بلد لا يعرفها، ولا يعرف أهلها وهم لا يعرفونه أيضاً، وبيع في المزاد العلني كما يباع الرقيق، بل بيع بثمن بخس: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:20] .

ولكن.

هل ضره ذلك؟ لقد لقي الأذى، وعاش في ظلمة البئر، وأوذي وخاف ومشى مع قوم لا يعرفهم وجلس في القصر زماناً طويلاً، ولكن العجب أن الله تعالى عقَّب على هذه المحنة الأولى في حياته بقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف:21] .

هذه هي بداية التكريم وبداية العلو وبداية الصعود: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [يوسف:21] .

فقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] .

نعم.

كانت هذه المحنة بداية تمكين له في الأرض، وتعليم الأحاديث له، وقد عقب عليها سبحانه بقوله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] .

فالناس لا يرفعون ولا يضعون، ولا يقدمون ولا يؤخرون ولا يقربون ولا يبعدون فإنما الأمر كله لله: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154] {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] .

كم أراد الناس حطة إنسان فرفعوه، وكم أرادوا تقليله فكثروه، وكم أرادوا ضره فنفعوه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس قال: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] .

ويقول تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:22] .

إذاً: كانت المحنة الأولى بداية في التمكين والتأييد والرفعة ليوسف عليه السلام، والتعليم الذي علمه الله تعالى وآتاه الله تعالى بعده حكماً وعلماً لأنه كان من المحسنين، لأنه تعامل مع المحنة تعاملاً سليماً نظيفاً صابراً فلم ينقل عنه أنه سب إخوته ولا شتمهم ولا قال فيهم ولا عاملهم بالمثل، بل هو كما قال الله تعالى في آخر السورة: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100] فجعله نزغاً من الشيطان بينه وبين إخوته، ولم يقل لإخوانه أنتم فعلتم وفعلتم، وقلتم وذهبتم وجئتم، لا: {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100] فكأن الأمر على السواء بين يوسف وبين إخوانه، وأن الشيطان نزغ بينه وبينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015