شعيب عليه السلام دعا قومه فـ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف:88] خياران لا ثالث لهما إما الطرد والنفي والإبعاد، لا تصلحون للوطنية أنتم، لأنكم تشقون الصف الواحد وتمزقون الوحدة الوطنية وأنتم تهددون بحرب أهلية، لماذا؟ لأنهم يدعون إلى دين جديد وعقيدة جديدة وتوحيد جديد، وبموجب دعوة شعيب وغير شعيب عليهم الصلاة والسلام من رسل الله وأنبيائه، سوف ينقسم الناس وينشطرون وينصدعون إلى فريقين: مؤمنين وكافرين: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] .
وهذا لا شك يهدد الوحدة الوطنية، لكن ما هي الوحدة الوطنية؟ إن أي وحدة أو وجود على غير الإيمان وعلى غير الإسلام وعلى غير التقوى فهو إلى ضلال وظلام.
إذاً: لا بد أن تخرج من قريتنا أو تعود، أمامك فرصة -مثلما تعلن بعض الحكومات الآن: أمام المتطرفين مهلة مائة يوم للتوبة وأن يسلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية- فقالوا له ذلك: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف:88] فماذا كان جواب شعيب عليه السلام؟ كان جوابه واضحاً صريحاً مباشراً ليس فيه لف ولا دوران، قال: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [الأعراف:89] إن رجعنا إلى ملتكم فنحن خاسرون كاذبون على الله مفترون مرتدون عن ديننا، وما كان لنا أن نفعل ذلك إلا أن يشاء الله، فالقلوب بيد الله يقلبها كيف شاء.
ومثل ذلك ما قال أهل الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:20] .
مرة أخرى أصر القوم وتطورت اللهجة وارتفع الخطاب، فـ: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود:91] إذاً تطور الأمر من مجرد النفي إلى التهديد بالرجم، يرجموكم: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91] إذاً ما خافوا من الله تعالى ولا راقبوه؛ إنما قالوا: تركنا قتلك رعاية للأسرة والعائلة التي تنتسب وتنتمي إليها، ولذلك قال: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هود:92] .
إذاً تطورت اللهجة -لهجة قوم شعيب عليه الصلاة والسلام- فهددوه بالقتل بل القتل بطريقة بشعة وهي الرجم، وما منعهم من ذلك إلا رهطه: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91] بل إن شعيباً عليه السلام طلب منهم أن يصبروا وينتظروا حتى يحكم الله بينه وبينهم، دعوني واتركوني أدعو من هداه الله تعالى، أدعو الناس إلى الدين وإلى التوحيد، فأبوا ورفضوا وهذا يؤكد أن مثل هؤلاء القوم لا يمكن أن يهادنوا أمر الحق أبداً.
فإن الصراع بين الحق والباطل والإسلام والكفر والإيمان والضلال؛ صراع أبدي أزلي لا يمكن أن ينتهي أبداً، حتى لو وضع أهل الخير السلاح، وحتى لو تركوا الأمر، وحتى لو اقتصروا على مجرد أداء الصلوات والنوافل والعبادات، لم يرض منهم أهل الشر بذلك، بل لا يرضون منهم حتى يتركوا دينهم كما قال الله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] .