القصة السادسة: يزيد بن عبد الملك خليفة أموي، فقد نفى يزيد بن عبد الملك رجلاً إلى جزيرة اسمها دهلك، وكان هذا الرجل اسمه عراك بن مالك، وهو رجل صالح ديِّن خيِّر؛ ولكن لم يعجب الخليفة في هديه وطريقته وعلمه، فغضب منه وكرهه وأبعده وأقصاه، وطالما حصل مثل هذا وغادر المؤمنون ديارهم وبلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وطالما أوذوا في سبيل الله عز وجل فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله عز وجل، فنفاه إلى تلك الجزيرة -جزيرة دهلك- وكان عمر بن عبد العزيز من قبله قد نفا رجلاً آخر إلى تلك الجزيرة.
ولكن البون شاسع فياترى من هو الرجل الذي نفاه عمر بن عبد العزيز؟ هل نفى عمر رجلاً لصلاحه أو لتقواه أو لورعه أو لفتواه أو لمجاهرته بمسائل العلم؟ كلا، وإنما نفى عمر بن عبد العزيز شاعراً خليعاً يقال له الأحوص إلى تلك الجزيرة، ففي عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى ورضي الله عنه- كان النفي والإبعاد والطرد يكون للشعراء المجان، شعراء الفجور والحداثة والخلاعة والدنيا، ويكون التقريب والإعزاز والإكرام لأهل العلم، وأهل الورع وأهل التقوى وأهل الزهد وأهل العبادة، ولذلك نفى عمر الأحوص إلى دهلك.
أما يزيد بن عبد الملك فقد نفى عراك بن مالك، والطريف في الأمر أن أهل دهلك كانوا يدعون لـ يزيد بن عبد الملك، ويقولون: جزاك الله عنا خيراً يا يزيد فقد أحضرت إلينا رجلاً علّم أولادنا القرآن والسنة والحديث، وكان عمر بن عبد العزيز من قبلك نفى إلينا رجلاً علم أولادنا الشعر والشر، فانظر: مصائب قوم عند قوم فوائد.