القصة السابعة: دخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصور -وسفيان الثوري رجل معروف تاريخه كله تاريخ صبر ومصابرة، وبلاء وجهاد، وإيذاء في سبيل الله وصبر واحتساب- دخل مرة على الخليفة أبي جعفر فضرب سفيان البساط برجله بقوة، ثم تقدم وجلس فقال له الحجَّاب: كيف تجلس قبل أن يأذن لك أمير المؤمنين، فقال: إني لا أحتاج إلى إذن أحد، ثم تكلم على أمير المؤمنين ونصحه بقوة وشدة.
فقال الحراس والحجاب للخليفة: يا أمير المؤمنين إن ترك مثل هذا يكون سبباً في الجراءة عليك وعلى سلطانك وقد يمرغ سمعة الدولة ويعرضها للخطر، فلو قتلته "فتبسم الخليفة" وتبسم سفيان، قال الخليفة: إنه سيقول لكم قولاً عظيماً، ما تقول في هؤلاء يا سفيان؟ قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله غيره شر من بطانة فرعون، فإن بطانة فرعون قالوا له: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف:111] يعني من الإرجاء والتأخير: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء:36] أما هؤلاء فهم طلبوا قتلي سريعاً، فتبسم الخليفة وقال له: قم سليماً معافى، وأخرجه ولم يتعرض له، وإن كان سفيان قضى بقية حياته كلها مختفياً متوارياً، بل مات ودفن وهو مختفٍ متوارٍ رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.