أحد القراء الصالحين مع العبيديين

القصة الثامنة: في عهد الفاطميين العبيديين الذين حكموا مصر وحكموا بعض بلاد الشام وحكموا بلاد المغرب جزءاً من الزمان، وهم كانوا يدعون أنهم من أولاد فاطمة رضي الله عنها ونسبهم ليس بصحيح كما حقق ذلك السيوطي وغيره، المهم أن بعض هؤلاء الفاطميين من غلاة الرافضة ادعى الألوهية، وكان الحاكم يدعي الألوهية حتى قال له الشاعر أبياته المشهورة: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار فألهه من ألهه من عباد الدنيا وعباد المال وطلاب المناصب وطلاب الشهوات، الذين لا يمانعون أن ينالوا ذلك كله ولو أراقوا ماء وجوههم، ولو تمرغوا في الوحل ولو تدربوا على الذل؛ بل ولو ذبحوا إيمانهم، على هذا فإنه لا مانع لديهم.

ادعى هذا الحاكم أنه الإله الرب المدبر، فكان من صنع الله تعالى أن هذا الحاكم ظهر للناس في وقت الصيف، وقد كثر الذباب وقد كان من حوله يبعدون عنه الذباب فيبتعد ثم يعود مرة أخرى، فيبعدونه فيبتعد ثم يعود والناس قد طال عجبهم من تسلط الذباب عليه، وكان في المجلس قارئ حسن الصوت بالقرآن الكريم، خاشع ديِّن صدوق داعية مضحٍّ فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:73-74] فصاح الناس كلهم الله أكبر الله أكبر! وكأنما تنزلت تلك الآية في تلك اللحظة، وانجفلوا عن الحاكم حتى سقط عن كرسيه فخاف من القتل فهرب، ثم أضمر شراً لهذا الرجل، وصار يتألفه شيئاً فشيئاً حتى اقترب منه، فقال: إن عندي رسالة أحب أن أرسلك بها إلى فلان، فأخذ الرجل هذه الرسالة وركب البحر فدبر الحاكم مؤامرة لإغراق هذا الرجل، فلما كان في ثبج البحر، وتلاطمت الأمواج، وأظلم الليل، سارع الربان إلى هذا الرجل، فأخذه وألقاه في البحر فأغرقه، ثم واصل طريقه، ومات هذا الرجل، ولما مات رؤي في المنام -رآه رجل في المنام- فسلم عليه، وقال له: والله ما قصر معي ربان السفينة، لقد أوقفني على باب الجنة.

إنه موقف سهل يسير لم يزد هذا الرجل على أن قرأ آية من كتاب الله تعالى، ولكن التوقيت والمناسبة والظروف جعلت هذه الآية تفعل فعلها، فآمن الناس وأدركوا أنه يجب أن يرفضوا هذا المتأله، الذي قال لهم كما قال فرعون الأول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فقالوا: الله أكبر، وقاموا حتى كادوا أن يقتلوا هذا الحاكم، ولو أنهم كانوا أكثر شجاعة وأكثر قوة وأكثر تضحية لكان في هذا الموقف البسيط الشرارة التي تحرق عرش العبيديين المتألهين، الذين حاربوا القرآن وحاربوا السنة وأحرقوا صحيح البخاري وقتلوا العلماء وقضوا على أهل السنة في ديارهم ونشروا البدعة حيث حلوا وأين أقاموا.

الوقفه الثانية: المحن الكبار: وإذا ذكرت المحن الكبار فمن يستطيع أن ينسى أو يترك ذكر رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، طالما لقوا ما لقوا في سبيل الله تعالى، وكذبوا وأوذوا ومنهم من حبس كما حبس يوسف عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قُتل كما قُتل يحيى، ومنهم من ضُويق وحاولوا قتله كما فعلوا بعيسى عليه السلام، ومنهم من أخرج من بلده كما أخرج موسى وهارون ومحمد صلى الله عليهم جميعاً وسلم.

إنهم قادة الموكب وأئمة الركب والحديث عنهم يطول ولكني أعرض نماذج لهؤلاء كما عرضت فيمن كان قبلهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015