من طرائف المحن

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلَّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في هذا المسجد المبارك جامع الغنام في الزلفي، وفي هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر شعبان من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة، يكون هذا المجلس الذي أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يجعله اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.

أحبتي الكرام: جزاكم الله يا أهل الزلفي من أهل ومن عشيرة خيراً، فإنكم نعم الأهل والدار والجار، ولو أن الإنسان وجد من وقته فسحة وأتبع نفسه هواها لما كان له أن يفارقكم، فإن المرء حين يلقاكم يلقى الكرم وحسن الخلق، والأمانة والديانة والرجال الذين يطمع أن يكون لهم نصيب وبلاء في خدمة هذا الدين والقيام عليه.

وليست بالمرة الأولى التي أزوركم فيها، فإننا ونحن قادمون إليكم في الطريق تذاكرنا الزيارات والمحاضرات التي ألقيتها في هذا البلد، وبدون أن أفصح لكم وأبوح بهذا السر إلا أنني أقول إنها بالتأكيد كانت دون العشرين، وأسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان الأعمال الصالحة، وليس ذلك تذكيراً بشيء مضى إلا أنه اعتذار عن التقصير والإخلال، ورجاؤنا ألا يكون هذا التقصير شديداً وإلا فحقكم كبير، ولكم مكانة في القلب يعلمها الله عز وجل، وكل أهل هذا البلد الطيب -من أهل الخير والصلاح- لهم في سويداء القلب منزلة عظيمة، ولعلي أذكر مكتب الدعوة في هذا البلد، وجهده وبلاءه وقيامه بالنشاط الخيِّر، سواء في دعوة العلماء والمحاضرين وطلبة العلم للدروس والمحاضرات، أم في القيام على النشاطات المختلفة وتنظيم البرامج والمخيمات وغيرها، أم توزيع الكتب أم سواها أم في دعوة غير المسلمين من خلال المكتب التعاوني العامر الذي يقوم عليه رئيس المحاكم في هذا البلد الطيب، الشيخ محمد المعيتق حفظه الله.

ذلك الرجل الذي شاب مفرقه في الإسلام ولكنه في روح شاب، فنحن نجده أمامنا إن ذهبنا إلى بريدة وإلى عنيزة وإلى الغاط وإلى المجمعة وإلى الشرقية وإلى جدة فحيث ما ذهبت وجدته أمامك، سباقاً إلى الخيرات حريصاً عليها فأسأل الله تعالى أن يجزيه عني وعنكم يا أهل البلد كل خير، وأن يجعله مباركاً أين ما كان، وأن يكثر في العلماء والمشايخ من أمثاله.

ثم إني أشكر أيضاً كل الأساتذة والقضاة والعلماء والأخيار والأحبة الذي يسمعون لي الآن، سواء أكانوا من هذا البلد أم من القادمين إليه، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع.

أيها الأحبة: عنوان المحاضرة كما سمعتم (ونبلو أخباركم) ولعلكم سوف تلاحظون في هذه المحاضرة ثورة على روتين المحاضرات والدروس، فلن أبدأ فيها كالعادة بأهمية هذا الموضوع وسبب التحدث عنه إلى غير ذلك كما جرت بذلك العادة في الدروس والمحاضرات، رغبة في التغيير والتنويع لا أكثر.

بل سأبدؤها بعنوان يقول: "من طرائف المحن"، وهي عبارة عن بعض القصص الخفيفة والسريعة التي حصلت لبعض الصالحين والعلماء في حياتهم، وهي إعراب ودليل على أن هذه الحياة بطبيعة وأصل تركيبها لا تخلو من بعض الكدر والمحن والمصائب، سواء للأغنياء أو الفقراء، للكبراء أو الضعفاء، للرجال أو النساء، للمسلمين أو الكفار، فالجميع لا بد أن يلقوا في هذه الحياة بعض الأذى، فالأمر كما قال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] إلى آخر الآية:- جبلت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هارِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015