نذكر هنا تعليقات لا بد منها، وهي عبارة عن تعليقات خفيفة على ما سبق.
أيها الأحبة: إن جناية القادة الذين جلسوا على طاولة المفاوضات مع اليهود على أمتهم وشعوبهم جناية عظيمة، وإن خدماتهم لليهود لا تقدر بثمن، فإنهم سوف يصنعون لإسرائيل بعملية السلام والتطبيع ما تعجز إسرائيل أن تعمله بالعمل العسكري، هذا من جهة، كما أنهم استطاعوا أن يدجنوا شعوبهم ويذللوها ويجعلوها شعوباً خاضعة ذليلة مستسلمة، لقد أورثت هذه الشعوب الذل، والتبعية، وعدم الاكتراث بالمخاطر والأهوال التي تواجهها، مما جعلها ترد موارد الهلكة.
والواقع -أيها الأحبة- أن هذا الأمر الذي وضعوه في نفوس الشعوب غير صحيح، إن إمكانية مواجهة اليهود قائمة في كل وقت: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] وكذلك أعوان الشيطان وحلفاؤهم؛ كيدهم ضعيف في كل وقت، وينبغي أن نعلم أن القهر الذي يمارسه اليهود -مثلاً- في داخل فلسطين قد ولّد جيل الانتفاضة، الذي يواجه الدبابة بالحجر، فأطفال هناك في عمر خمس وست سنوات يواجهون ذلك بمثل هذه الطريقة، ويجب أن نعلم أن مجموعة من العمليات الفدائية في لبنان وفلسطين قد أزعجت اليهود، وغيرت مقاييسهم إلى حد بعيد، فليس صحيحاً أن هؤلاء القوم يخططون فيقع ما يخططون، بل كم رتبوا وخططوا فجاءت النتائج عكس ما كانوا يريدون ويتوقعون، ولسنا أبداً ممن ينادي بتضخيم دور اليهود أو التهويل بقوتهم أو المبالغة في إرهاب الشعوب منهم، وإن كنا ننادي بضرورة أنه يجب أن نعرف حجم قوة عدونا، وندرك مدى قوته حتى نكون على استعداد له؛ لأن الاستهانة بقوة العدو خطأ كما أن المبالغة في تضخيم قوة العدو هي خطأ آخر.
إن الحكام قد جنوا حين غيبوا الرمز الذي يمكن أن يظل حياً، بمعنى: إننا قد لا نستطيع أن نواجه اليهود الآن بالسلاح؛ لأسباب كثيرة، ولا شك أن هذا الوقت ليس وقت مواجهه عسكرية مع اليهود في ظل الظروف الحاضرة، فالأمة المفككة، والأمة التي تسلط عليها عدوها، لايمكن أن تواجه عدواً آخر، إن الأمة التي تتقاتل فيما بينها لا يمكن أن تواجه عدواً خارجياً، فالأمة التي مزقتها الخلافات بين الأنظمة، والخلافات بين الشعوب، والخلافات بين الأقاليم، والخلافات بين الأحزاب، والخلافات بين الجماعات، والخلافات بين الطوائف، هذه الأمة التي مزقتها تلك الخلافات حتى لم يبق فيها مكان إلا وفيه حرب ضارية بين طرف وآخر.
هذه الأمة في ظل ظروفها الحاضرة وفي ظل تخلفها العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي، والسياسي بكل تأكيد ليست على مستوى مواجهة العدو الإسرائيلي في الظرف الحاضر هذا صحيح، لكن بقي وجود الرمز الذي يقول للشعوب وللشباب، وللأمة، يقول للكبار والصغار، وللرجال للأطفال: إن هذا عدو يجب أن نحاربه، ويجب أن نستعد له، ويجب أن نخطط ولو بعد عشرة أو خمسين أو مائة سنة للقضاء عليه، هذا الرمز يحاول هؤلاء تغييبه، ويحاولون أن ينسوا الأمة ذلك الرمز، ويحاولون أن يؤثروا تأثيرات نفسية على الشعوب بحيث تتناسى عداوتها لليهود وتدرك بأنها في حال آمنة، وتنام نوماً عميقاً هادئاً بطيئاً.
ولذلك لا غرابة أن أقرأ في أحد صحفنا المحلية مقالاً طويلاً عريضاً ساخطاً غاضباً، فما هو السبب؟ هل سبب الغضبة لما يجري في الساحة الآن؟ كلا.
بل سبب الغضبة هو ملاحظة عدد من الراصدين تسرب جمهور كرة القدم، ووجود غياب مذهل عن مدرجات الكرة، مما يعكس مخاوف ومخاطر شديدة، ولا بد من دراسة هذه الظاهرة، وإجراء مقابلات مع كافة المختصين لمعرفة الأسباب وأبعادها وظروفها، ومحاولة عمل اللازم، ومعالجة هذه الظاهرة قبل أن تستفحل ويصعب القضاء عليها!! إذاً: هناك محاولات جادة لتغييب هذه الشعوب، وإشغالها بأمور تافهة وصغيرة وهموم يومية عن قضيتها ومعركتها الكبرى مع أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين والعلمانيين، والمنافقين في أي مكان كانوا، فهذه أعظم جناية يمكن أن يجنيها شخص، أو تجنيها طائفة، أو جهة على هذه الأمة.