إن إسرائيل تسعى من هذه الوحدة الاندماجية وهذا التطبيع إلى توسيع نطاق التجسس، ولا شك أن السفارات الإسرائيلية في مصر وغيرها هي عبارة عن أوكار للتجسس وقد ثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، كما تسعى إسرائيل إلى إقامة صلات قوية مع أجهزة الأمن في مصر والأردن والتبادل الاستراتيجي بينها، ولعل من الطريف أن إحدى البلاد العربية -هذا ذكرته مصادر لا بأس بها- زودت إسرائيل بمحاضر ووثائق اجتماع على أعلى المستويات عُقدت في ذلك البلد، فقامت بتصوير محاضر ذلك الاجتماع على مستوى القمة وزودت بها إسرائيل لتستفيد منها في مجال رسم سياساتها.
إن إسرائيل وبعض هذه الأنظمة تعتبر أن هناك عدواً مشتركاً، وهذا العدو المشترك هو ما يمكن أن يعبروا عنه جميعاً باسم الأصولية، فالأصولية الإسلامية هي العدو المشترك لليهود ولكثير من العرب الذين ضلوا وأصبحوا الآن مع اليهود في خندق واحد، ولهذا لا غرابة أن تتعهد عدد من الدول التي لها حدود مع إسرائيل بحماية حدودها، ومنع التسلل إليها، بل تتعهد بأكثر من ذلك، فهي تتعهد بمحاربة كل من يقف ضد عملية السلام ومحاكمته، ومنع إقامة أي حزب -في بعض هذه البلاد التي تسمح بقيام الأحزاب- إلا بعد أن يعترف بمعاهدة السلام ويؤمن بها على أنها ضرورة لا بد أن يقتنع بها من قبل.
إنني أقول قبل أن أغادر هذه النقطة: إننا نعلم جيداً أن معظم الشعوب الإسلامية والعربية لا يمكن أن ترضى بهذا أو تقر به بحال من الأحول، وهذه هي المسألة الوحيدة الكفيلة -بإذن الله- بإحباط كل محاولات اليهود وأصدقائهم من العرب.
وهي أن الشعوب العربية في مصر والشعوب المسلمة في لبنان، وفي سوريا، وفي الأردن، وفي المغرب وفي كل بلاد الدنيا لا يمكن أن تقر بمثل هذه الأمور، ولا يمكن أن ترضى بها ولا يمكن أن تحول روح العداء من العداء لليهود إلى العداء لإخوانهم المسلمين، إلى العداء لمن يسمونهم بالأصوليين وهذا هو ما يحاوله الإعلام العربي اليوم، وتحاوله -أيضاً- وسائل الأمن العربية اليوم، وهي تتحالف مع اليهود في مكافحة الأصولية، وفي مكافحة الإرهاب وغير ذلك من الأسماء.
والحقيقة أن الأمر ربما يتعلق بمكافحة ظواهر الدعوة الإسلامية، وفي الوقت الذي يتمتع اليهود فيه بسياحة آمنة في مصر ولبنان والأردن والمغرب، نجد أن عدداً كبيراً من المسلمين والدعاة وطلبة العلم والمخلصين وأصحاب اللحى يزج بهم في غياهب السجون في تلك البلاد وغيرها، ويعتبرون مجرمين: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8] وما ذنبهم إلا أنهم يرفضون معاهدات السلام والاستسلام، ويرفضون محبة اليهود ومودتهم، ويصرون على التمسك بدينهم وعلى الالتزام بشريعة ربهم مهما بذلوا في سبيل ذلك من التضحيات.
إذاً: هناك محاولات كبيرة بين إسرائيل وحلفائها لتوحيد الجهود الأمنية في مقاومة هؤلاء، وتبادل المعلومات، ولا مانع في المستقبل من تبادل المجرمين أيضاً، ومعروف من هم المجرمون؟! إنهم ليسوا مجرمي المخدرات، وإنما هم مجرمون من نوع خاص يعرفهم الجميع!