الاعتذار بالمعصية

وأحياناً تجد أن المعصية أو النقص أو التقصير تتسبب للإنسان في ترك العمل الصالح، وكأنه يظن أنه لا يعمل للخير إلا الكاملون أما الناقصون فلا يعملون، مع أنك لو نظرت إلى النص الشرعي لوجدت غير هذا، يا فلان لماذا لا تدعوإلى الله؟ قال: الله المستعان! روائح ذنوبي فاحت، وأنا أستحي أن أقف أمام الناس، وأستحي من الله تعالى، وأخجل أن أعظ الناس، وأنا أحتاج إلى من يعظني.

يا أخي! عندك الآن مال فهل تزكيه؟ فيقول: نعم أزكيه؛ لأنه بلغ النصاب، فنقول: المال إذا بلغ النصاب وجب عليك تزكيته، ألم تعلم أن العلم عليه زكاة أيضاً؟ مع أن العلم ليس له نصاب.

فالرسول صلى الله عليه وسلم بين النصاب في الأموال الزكوية ولكن بالنسبة للعلم فإنه قال: {بلغوا عني ولو آية} كما في الصحيح، آية واحدة فقط، أو حديثاً.

وقال صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلغه} فنصاب العلم آية واحدة أو حديث واحد! وهل من المسلمين كلهم من لا يحفظ آية أو حديثاً، فينبغي أن تتفطن أن كل قدر من العلم ولو قل عندك، عليه زكاة وأن تقصيرك أنت بفعل المعصية ليس موجباً بل ولا مبيحاً لترك النهي عنها وتقصيرك بترك الطاعة ليس موجباً بل ولا مبيحاً بترك الأمر بها، بمعنى يجب أن تأمر بالمعروف ولو كنت تاركاً له، ويجب أن تنهى عن المنكر ولو كنت واقعاً فيه: ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد محمد ولا شك في هذا؛ بل يكاد أن يكون إجماعاً لأهل العلم، إذ كونك تركت المعروف بنفسك هذا خطأ فلا تعالجه بخطأ آخر وهو أنك -أيضاً- لا تأمر به، وكونك فعلت المنكر فهذا خطأ، لكن تعالج هذا الخطأ بخطأ آخر وهو أنك لا تنهى عن المنكر.

أضرب لك مثالاً: أنت -وحاشاك- مبتلى بشرب الدخان؛ لأنك نشأت في بيئة لم تعودك على ترك هذا، فأخذته بالتقليد والعادة، وأصبح صعباً عليك بسبب الإدمان تركه، فتزوجت ورزقت بأولاد، فوجدت ابن عشر سنوات من أبنائك يدخن، فهل تقول حينئذٍ: لا أنهاه لأني مدخن؟ قطعاً لا، بل ستقول: سأمنعه، وستتخذ من كونك مدخناً حجة لك، وستقول: يا ولدي أنا جربت قبلك، وابتليت بهذا الداء الذي أتمنى أن أخرج من مالي وأتركه، ولكن عجزت، فأنت الآن ما دمت في بداية الطريق، ابتعد عن هذا الشيء.

فتستفيد من الخطأ الذي وقعت فيه في نهي الناس، مع أنك مطالب بترك المعصية، ومطالب بفعل الطاعة، لكن ليس من شروط الأمر بالمعروف أن تكون فاعلاً له، ولا من شروط النهي عن المنكر أن تكون تاركاً له.

أما قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] فهذا نعم، ولا شك أنه يوبخ؛ لأن الآمر للناس عالم وكان المفروض أن يكون أول الممتثلين، كما قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] ولكن كونك قصرت في هذا لا يبيح لك أن تقصر في الثاني.

ومثل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أسامة في صحيح البخاري: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه} .

فنقول: هل هذا دخل النار؛ لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ كلا! الأمر بالمعروف والنهي عن المكر بالنية الصالحة عمل صالح يدخل الجنة ويباعد عن النار، وإنما دخل النار؛ لأنه يفعل المنكر ويترك المعروف؛ أو لأنه كان يأمر وينهى على سبيل النفاق والخداع والتغرير، لا على سبيل الصدق والإخلاص والعمل الصالح.

والإنسان الإيجابي الفعال له منطق آخر، تجده يلقي درساً عن قيام الليل ويرغب الناس فيه، فإذا قالت له زوجته -التي تعرف أنه لا يقوم الليل- أو قال له زميله - الذي يعرف أنه لا يقوم الليل- يا فلان تحث الناس على قيام الليل وأنت منجعف على فراشك تتقلب! ألا تخاف الله؟! ألا تستحي؟! حاولَ أن يقوم، وبذل جهده، لكنه يقول في نفسه: ربما قام أحد هؤلاء الناس الذين سمعوا موعظتي فدعا الله تعالى، فكنت أنا شريكاً له في الأجر؛ لأنه قام بسبب موعظتي، وربما أشركني في دعوة صالحة، والدال على الخير كفاعله.

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه} .

وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها} فيأخذ الأمر من هذا المنطلق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015