أضرب لكم مثالاً يسيراً، وإنما اخترته لكثرة تكرره، فقد رأيت الكثيرين من الشباب وهم أئمة مساجد، وأساتذة مدرسين في حلقات، ومشرفين على نشاطات خيرية، تجد الواحد منهم يتبرم من عمله، ويتضايق، ويهم بالترك حتى كأنه عصفور في قفص، وقد التقيت بالكثيرين منهم، فأسأله لماذا، يقول: عندي عيوب، عندي أخطاء، أنا لا أستحق هذا العمل! وبعد ما أحدثه واكتشف ما في نفسه، أكتشف -مثلاً- أن هذا الإنسان مبتلى بما يسمى بالعادة السرية، صحيح هذا خطأ، وينبغي أن تبذل جهدك في الخلاص منه، ولو لم يكن من سيئاته إلا ما أوجده في قلبك من الضيق والتبرم والحسرة والشقاء والخجل لكفى.
ولكن هذا الذنب -حتى مع القول بتحريمه، وهو قول كثير من أهل العلم وإن لم يقولوا: بأنه من كبائر الذنوب، بل هو من صغائرها- هل يوجب ترك الإمامة والدعوة وترك الخطابة، والتعليم والتوجيه؟! بل ربما يغفر لك بسبب إنسان علمته، أو دعوته أو وجهته، أو ركعة ركعتها، أو صلاة صليتها بالمسلمين، وهذا ضرره قاصر على نفسك لا يتعدى إلى غيرك.
فأعمال الخير التي تقوم بها أنت نفعها متعدٍ إلى الأمة كلها، فلا يخدعنك الشيطان، ويجرك من الأعمال الصالحة بهذه الحجة الواهية، ثم بعد ذلك لا أنت تركت المعصية أو الذنب الذي أنت واقع فيه، ولا أنت قمت بهذه الأعمال الصالحة التي تقاوم الإثم والسيئة.
والله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} .
إذن لا بد من النزول إلى الميدان، ولا بد من المشاركة في الأعمال، ولا بد من التوكل على الله عز وجل، ولا بد من العلم الصحيح الذي يضيء للإنسان الطريق الصحيح، ويبين له ما يأخذ وما يدع، ولا بد من أن يهتم الإنسان بأمر نفسه ودعوته، فيهتم بموضوع القدوة، ويهتم -أيضاً- بموضوع الدعوة، فإذا أراد أن يقوم بالأعمال الصالحة، فإنه يحرص على إتقانها وأدائها.