وهناك فرق أساسي بين ولاية المؤمنين وولاية الكافرين، فولاية الكافرين مبناها على التعصب والهوى واللجاج، ولذلك فالله سبحانه وتعالى يقول: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] وكلمة (مِن) يقابلها في الآية الأخرى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] وبادي الرأي قد يخيل للإنسان أن كلمة (من) هنا أبلغ؛ فكيف عبر الله عز وجل عن علاقة المنافقين بأن بعضهم من بعض، أما علاقة المؤمنين فقال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] هل معنى ذلك أن علاقة المنافقين بعضهم ببعض أقوى من علاقة المؤمنين؟ كلا.
وإنما السر -والله تعالى أعلم- أن علاقة المنافقين ليست مبنية على منهج وطريق صحيح يتوالون فيه، بل القضية مبنية على الهوى والتوافق على الباطل، أما أهل الحق فولايتهم مبنية على الحق؛ فهم أولياء لبعض في الحق، ولذلك لو تخلّى أحد منهم عن الحق تخلوا عن ولايته، وكذلك لو أخطأ إنسان لما كانت ولايتهم له موجبة لموافقته في الخطأ، ولذلك قال: {بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ} [المائدة:51] فهي ولاية نبوية بصيرة، وليست ولاية عمياء على مجرد الهوى.
وإنه لا بد- أيها الإخوة- في كل عصر وفي هذا العصر بالذات، وقد رأينا جميعاً كيف يتوالى أعداء الإسلام على حربه لا بد من التعاون بين المسلمين على البر والتقوى، -كما أمر جل وعلا- قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] هل تجد أبلغ من هذا الوصف والتشبيه؟ {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] والبنيان المرصوص لا يمكن أن يجد فيه ثغرة ينفذ منها أو يتسلل منها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً} ونحن الآن لو وجد الواحد منا قطعة في الشارع لكان من السهل أن يحملها أو يكسرها؛ لكن حين يأتي إلى جدار مكون من مجموعة من اللبنات، فلو حاول أن يدفعه لما استطاع؛ لأن هنا انضمت اللبنة المفردة إلى أختها فاكتسبت قوة جديدة، وأصبح من غير الممكن للإنسان أن يدفعها، وهذا سر من أسرار التعاون الذي أمر الله تبارك وتعالى به المؤمنين، فلا بد أن يتقي المؤمنون الله جل وعلا بألا ينشغل بعضهم ببعض.