الاقتراح الرابع: هو جمع التبرعات للمسلمين في كل مكان، والمسلمون يعيشون آلاماً وجراحاً الله تبارك وتعالى أعلم بها، ونسأل الله تبارك وتعالى ألا يكون هذا الوضع السيء الذي يعيشه المسلمون مدعاة إلى تسلل اليأس إلى قلوبنا، نسأل الله أن يرزقنا الثقة بوعده وبنصره، وأن يرزقنا الجهاد لإخراج المسلمين مما هم فيه.
فالمسلمون الآن يعيشون أزمات الجوع والعطش والفقر والعري، وقبل أن آتيكم في هذا المكان جاءني مجموعة من الإخوة يتحدثون عن أوضاع المسلمين في بعض البلاد، ومعهم من الكتب والمشاهد ما تنفطر له القلوب؛ منها اغتصاب النساء في كل مكان، وتهديم البيوت وإحراقها، إحراق المزارع، وهدم المساجد على المصلين أحياناً، وضرب المسلمين؛ بل إنه يبلغ بهم الأمر إذا أرادوا من مسلم أن يعترف بأمر يريدونه فإنهم يخلعون ملابسه ويجلسونه على الجمر -والعياذ بالله! - حتى يعترف لهم بما يريدونه حقاً أو باطلاً.
ويعمدون إلى كبار السن من العجائز -رجالاً ونساءً- ويعاملونهم بألوان من الأذى لا يعلمها إلا الله، وربما جاءوا بشيخ أعمى هرم كبير السن، ليس له إلا ولد واحد في سن السابعة عشر، أو الثامنة عشر، فيصبون البنزين على ولده ثم يحرقونه في الحال.
وهذه ليست مبالغات ولا تهاويل، بل هذه تقع على مسافات ليست بعيدة من بلادنا، في أكثر من مكان وفي أكثر من بلد، ولو ذهبت أسترسل في هذا الحديث لخرج بنا الموضوع إلى حديث آخر، وقد تحدثنا سلفاً وفي مناسبات، وتحدث غيرنا عن أوضاع مريرة يعيشها المسلمون في كل مكان.
واعلم -أيها المسلم- أن الذي تغذى بغيرك يتمنى أن يتعشى بك، وإذا لم تنصر إخوانك فثق أنك قد تستنصرهم وتحتاج إليهم في يوم من الأيام فلا ينصرونك، ولا تغتر بما أنت فيه فالدهر دول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] .
والملك بيد الله، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فربما افتقر الغني، وربما اغتنى الفقير وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل.
فالأمر بيد الله، والرزق بيد الله، والقوة من الله، والغنى من الله، فاشكر الله تعالى أيها المسلم، والذي نقترحه عليك ونراه حقاً عليك أن تضع لك على المدى البعيد حصالة للنقود تضع فيها مما أعطاك الله تعالى شيئاً من المال تخصصه للمسلمين، أو للأعمال الخيرية كتحفيظ القران -مثلاً- أو نشر الكتاب الإسلامي، أو نشر الشريط الإسلامي، أو مساعدة الفقراء وما أكثرهم في هذا المجتمع، وفي غيره من المجتمعات هم أكثر وأكثر، المهم لو خصصت من راتبك شهرياً -كما اقترح أحد الإخوة عليَّ في رسالة- مائتي ريال في الشهر جعلت منها خمسين ريالاً للمسلمين في أنحاء العالم، وخمسين ريالاً لتحفيظ القران، وخمسين ريالاً لطباعة الكتاب والشريط الإسلامي، وخمسين ريالاً للفقراء والمحتاجين، كم سوف ينفع الله سبحانه وتعالى بهذا المبلغ الزهيد، وكم سوف يدفع الله تعالى به عنك أنت من ألوان البلاء والمحن؟! ولعل من أهم ما يستدفع بالصدقة ميتة السوء التي يخشى كل مؤمن منها، فربما دفعها الله عنك بفضل صدقة يسيرة تنفع غيرك ولا تضرك، فالاقتراح الآن أن يأخذ كل شخص على عاتقه أن يجعل من مرتبه ولو شيئاً يسيراً ولو رمزياً.
وإذا قال القائل: أنا مرتبي زهيد، نقول: ادفع ولو مبلغاً زهيداً، المهم أن تعود نفسك مبدأ الجود والعطاء في سبيل الله، ومبدأ المشاركة؛ لأنك أنت الآن إذا صرت تسمع أن المسلمين يواجهون كيت وكيت من المشاكل والمصائب والهموم، فلابد أن في قلبك حسرة ماذا صنعت لهؤلاء وماذا قدمت لهم؟! أنت تسأل نفسك، فإذا كانت النتيجة أنك ما قدمت شيئاً فسوف تشعر بأنك منسلخ عنهم غير إيجابي ومتفاعل، لا تشعر بمشاعر الأخوة الإيمانية معهم، وهذا لاشك يضر بك كثيراً، لكن إذا شعرت بأنك قدمت ما تستطيع ولو شيئاً يسيراً، ولو بشق تمرة؛ شق تمرة هو صدقة منك على نفسك أولاً وعلى غيرك ثانياً.
فندعو إخواننا المسلمين إلى أن يلتزموا بمثل هذا البرنامج على مدى العام، وبشكل خاص في شهر رمضان؛ فإنه هو شهر الطاعة، وهو شهر الكرم والجود، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فكان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] .
فأنا أدعوكم -أيها الإخوة- إلى مناصرة إخوانكم المسلمين بما تستطيعون، يقول بعض الناس: هؤلاء المسلمون مقصرون في دينهم، وبعضهم عندهم انحرافات، وبعضهم عندهم بدع، ونحن لا نزكي هؤلاء، وهذه الانحرافات والبدع موجودة عندهم وعند غيرهم، والتقصير موجود هنا كما هو موجود هناك، ولكن السؤال أولاً: هل هم مسلمون أم كفار؟ إذا كانوا مسلمين فدعمهم عليك حق ولو كانوا مقصرين، وهم مسلمون ولا شك، هذا أمر.
والأمر الثاني: أنه يفترض أنك داعية، فليس الحل هو أن تتركهم يموتون جوعاً وعطشاً، وتقول: هم مقصرون.
بل الحل أن تذهب لتغيثهم وتسقيهم وتطعمهم وتطببهم -إن استطعت- وتعمل ما تستطيع وتحمل مع ذلك كله الدعوة إلى الله تعالى، والدعوة إلى الالتزام بالحق؛ ودعوتهم إلى العمل بالكتاب والسنة، وتصحيح الأخطاء الموجودة عندهم سواء كانت أخطاء في العقائد، أم في الأعمال، أم في السلوك، أم في غير ذلك.
أما كوننا نتفرج ونسلمهم إلى النصارى؛ يعبثون بعقائدهم، ويعبثون بأخلاقهم، ويقدمون لهم الخدمات.
فهذا والله أمر عجيب! وإذا تخلينا فسوف يزيدون عما هم فيه بعداً وانحرافاً، بل قد يحصل وحصل هذا فعلاً أن هناك قرى أحياناً بأكملها -وإن كان هذا بحمد الله ليس كثيراً لكنه موجود- قد تتحول من الإسلام إلى النصرانية.
لا إعجاباً بالنصرانية؛ فالنصرانية دين أهله تخلو عنه، ولكن جوعاً وعطشاً، وإذا كان لا يأتي الطعام والشراب والكساء والعلاج إلا من خلال اعتناقهم للنصرانية فهم اعتنقوها وهم يشعرون بأنه ليس أمامهم إلا هذا الطريق وأن الأبواب كلها أُغلقت إلا هذا الباب فسلكوه غير مختارين، فأين المسلمون؟! أين أنتم يا عباد الله؟ وأتمنى أن أتعرف حقيقة: هل قلوبكم تحزن لأحوال هؤلاء المسلمين؟! وهل مشاعركم تضطرب لهم؟! هل دموعكم تنهل من أجلهم أم أنكم تشعرون أن هذا الحديث عن شيء آخر لا يعنيكم؟ وقد تعتبرون أن من إضاعة الوقت الحديث عن مثل هذه الأمور، فأرجو أن لا يكون أعداؤنا -أعداء الإسلام- أفلحوا في تمزيقنا إرباً إرباً، وإيجاد الحدود بيننا.
فلا يوجد في الإسلام حدود جغرافية؛ هذا بلد وهذا بلد، بل الإسلام لا يعرف هذا، فأهل لا إله إلا الله محمد رسول الله كلهم أمة واحدة ليس بينهم حدود ولا سدود.
وطني عظيم لا حدود له كالشمس تملأ هذه الدنيا في إندونيسيا في إيران في الهند في روسيا وتركيا آسيا ستصهل فوقها خيلي وسأحطم القيد الحديديا فلا توجد فوارق في الإسلام، فكونك تشعر أن هذا بلد وهذا بلد هذا شيء آخر، لكن الإسلام ليس فيه تفرقة والمسلمون كلهم أمة واحدة، يد على من سواهم، يحزن بعضهم لبعض.
تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت في كف بغداد إصبع ولو أن بردى أنتَّ لخطب أصابها لسالت بوادي النيل للنيل أدمع أرأيتم ما يجري في العراق الآن؟ نحن نعرف أي حكومة تحكم في العراق من قبل أن تحصل منها أحداث الغزو السابقة، فهي حكومة بعثية علمانية أخذت على عاتقها حرب الدين، وهذا أمر معروف مسلم، لكن شعب العراق شعب مسلم وغالبيتهم من أهل السنة أيضاً، وفيهم الأكراد؛ والأكراد في الأصل كلهم من السنة، وهم الآن يعيشون الآن تحت وطأة الحصار الاقتصادي، بل إن العراق نفسه يمارس حصاراً آخر على الأكراد، فصاروا يعيشون أحوالاً أشبه بالخيال، ولم يعودوا يتحدثون عن أكل اللحم، فهذا أصبح الآن في عداد الأمور الماضية والتاريخ الغابر، فإنهم تمر عليهم السنة ما أكلوه، لكن القضية في الضروريات التي لا تقوم الحياة إلا بها.
وبلاد الإسلام كلها تعاني من مثل هذه الأمور كما تعاني من داء آخر وهو تسلط الطغاة من البعثيين والعلمانيين والمنافقين وغيرهم الذين يهمهم البقاء في كراسيهم ولو مات الشعب كله عن آخره.
فأتساءل أيها الأحبة: هل قلوبنا تخفق لهؤلاء المسلمين؟! هل نحزن لهم على الأقل؟! وهل نشعر ولو للحظات بالمآسي التي يواجهون؟! أم إننا نأكل حتى نشبع، ونشرب حتى نروى، وننام حتى تهدأ أعصابنا، ونرتاح ثم نقوم وكأن شيئاً لم يكن، وكأن الدنيا كلها رغد من العيش، وأمن وأمان لأهل الإسلام في كل مكان، على أقل تقدير -يا أخي- إذا كنت لا تستطيع أن تساعد، فاحزن لهؤلاء, وارث لأحوالهم، وشاركهم همومهم بقلبك؛ وهذا حزن محمود وإن لم نقل أنك تتعبد به، لكنه حزن محمود، فحزنك لما يصيب الإسلام والمسلمين هو حزن محمود يدل على أن في قلبك حرارة وإيمان، وكونك تسمع بالمصائب والنكبات التي تنزل بإخوانك ثم لا يتحرك في جسدك شعرة؛ هذا دليل على أن في قلبك خواءً، وخموداً، وهموداً، وجموداً وأنك لا تشعر بأحوال المسلمين هنا وهناك.
مرة أخرى أدعوكم يا أهل لا إله إلا الله! أدعوكم يا من أنعم الله عليكم! أدعوكم يا رواد المساجد في هذا الشهر المبارك! إلى أن تتقوا الله تعالى في أنفسكم قبل أن تتقوا الله تعالى في إخوانكم المشردين، والمطرودين، والمهاجرين، واللاجئين الذين غالبيتهم من المسلمين.