دعوة الشباب اللاهين

الملاحظة الثانية: وقد جاءتني فيها عدة أسئلة وعدة أوراق ورقاع، وهو أننا في العام الماضي- ولعلكم تذكرون هذا جميعاً- بعد ما وفق الله تعالى وألقيت عدة دروس حول الشباب، كان أولها: (هكذا يصنع الفراغ) ثم درساً آخر بعنوان: (مسئوليتنا عن انحراف الشباب) ثم درساً ثالثاً بعنوان: (جلسة على الرصيف) وقد تحول إلى كتاب طبع منه بحمد الله كميات كبيرة، وأرجو أن يكون الله نفع به.

وجدنا أن عدداً من الإخوة قد أقبلوا على دعوة إخوانهم إلى الله، وقامت بعض المخيمات وبعض الجهود وتوزع بعض الشباب، ولكن هذا النشاط يحتاج إلى تذكير بين أونة وأخرى.

ففي شهر رمضان يحصل تجمعات للشباب، سواء في الشارع الأصفر، أو الأبيض، أو الأخضر، أو في غيرها، أو في أماكن، يسمونه بالتفحيط أو غيرها، فضلاً عن الأماكن الأخرى التي يتجمع فيها إخواننا من الشباب للعب الكرة وإقامة ما يسمونه بدوري المباريات في كرة القدم وفي غيرها، وبعض الجهات التي تقوم بتنظيم هذه الأشياء؛ جهات لا يطمأن إليها، ويُخشى من مغبة تنظيمها لمثل هذا؛ لأنها ليست جهات رسمية مأمونة معلومة، ولكنها اجتهادات فردية قد لا تكون مأمونة العواقب ولا مضمونه.

وهؤلاء الشباب المتواجدون في الشوارع يشاهدون التلفاز، أو يتحدثون، أو يشربون الشاي، أو يقومون بلعب الكرة، فيهم خير كثير، وعندهم فطرة نقية سليمة بحمد الله.

ولكن مع ذلك هم أحوج ما يكونون إلى دعوة من الذين أسبق منهم في الخير، وأرسخ منهم قدماً، وقد كتب إليَّ أحد الإخوة رقعه من هذا المسجد قبل ليلتين، يقول: إنه صلى إلى جانبه شاب قد لا يدل مظهره على الخير والاستقامة، ولكنه رأى أنه لما صلى صلاة الوتر وقنت الإمام أن هذا الشاب يُؤمَّن ويدعو وهو يبكى ويجهش بالبكاء ودموعه تنحدر على خديه، ثم لما انتهت الصلاة جاء يسلم هنا ويصافح المتحدث والإمام والشباب الذين في هذا الموقع، ثم يتجاوز المكان وعلى وجهه ابتسامة عريضة، ابتسامة الفرح والرضا والسرور.

إذاً: هؤلاء الشباب فيهم خير كثير، والفطرة عندهم سليمة، ولكن عليها بعض الغبار يحتاج إلى أن ننفضه ونزيله بما نستطيع، فمن منكم -أيها الإخوة- ينتدب، ونحن نطالبكم جميعاً، وخاصة من أعطاهم الله تعالى شيئاً من الهداية؛ يجب أن يدفعوا زكاة هذه الهداية بدعوة غيرهم، فتزورون إخوانكم بتلك الأماكن التي ذكرت وفي غيرها، زيارة المحب الناصح الشفيق، دون أن تطيلوا عليهم بجلسة تثقل، وإنما عشر دقائق، أو خمس دقائق يصحبها ابتسامة عريضة تعبر عن قلب لا يحمل لهم إلا الحب والإشفاق، وكلمة طيبة تدل على أنك ذو خلق فاضل، وكما قال عبد الله بن المبارك: " حسن الخلق شيء هين: وجه طلق، وكلام لين".

فاذهب إلى هؤلاء بالوجه الطلق، والكلام اللين، والابتسامة الصادقة، وإن كان معك كتاب، أو شريط فحبذا، وإن لم يكن هذا ولا ذاك، فلا يعدم منك كلمة لا تزيد على خمس دقائق، تذكرهم فيها بأواصر الحب والإخوة بينك وبينهم.

فهذا مما نريده من نشاطات الدعاة إلى الله تعالى في هذا الشهر المبارك؛ الذي تضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، وتقال فيه العثرات، وتقبل فيه التوبات، وتقترب فيه النفوس من ربها، وتصفد فيه الشياطين ومردة الجن.

أفلا نستغل الفرصة! فالشيطان مقيد الآن، فلماذا لا نقوم بحملة على من حاول الشيطان أن يعتقلهم، أو يغتال إيمانهم، لننقذهم من أسره وقيوده، ونجرهم من جديد إلى المسجد والمحاضرة والكلمة والشريط والكتاب وندعوهم إلى الله تعالى؟ وهذا لا يشترط فيه أن تكون خريج كلية شرعية، ولا حاصلاً على رسالة عليا، وإنما يشترط فيه أن تكون ذا خلق فاضل، وأن يكون عندك كلمة طيبه تقدمها لإخوانك.

فإن وجدت قبولاً فبها، وإن لم تجد قبولاً فاعتذر منهم وانصرف، وإياك أن تسخط عليهم، أو تقسوا عليهم، فقد يأتيهم غيرك ممن هو أوسع منك صدراً، أو أحلم منك؛ فينفعهم الله تبارك وتعالى به.

فهذا هو الاقتراح الثاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015