الخروج في مجموعات إلى الأسواق

اللهم إنا نحمدك ونشكرك، ونثني عليك الخير كله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، بلغتنا رمضان، ورزقتنا الصيام والقيام، وأنعمت علينا بنعمك العظيمة وآلائك الجسيمة.

فلك الحمد ولك الشكر حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى.

ونسألك أن تتم علينا نعمتك بمزيد من الهداية والتوفيق، وبمزيد من الصدق والإخلاص، وأن ترزقنا القبول في كل ما نعمل إنك على كل شيء قدير.

أما بعد: فهذه آخر ليلة أتحدث إليكم في هذا المسجد، في ليلة الأربعاء الثامن من شهر رمضان لعام (1412هـ) وقد سبق أن ذكرت لكم بالأمس أن موضوع حديثي إليكم الليلة سيكون بعنوان: (خمسة مقترحات) وقد سألني بعض الإخوة عن عناوين الدروس الماضية.

فأقول: الدروس الماضية تندرج تحت مسمى: دروس رمضان، وفي الليلة الأولى التي كنت بها في هذا المسجد: ليلة السبت الرابع من شهر رمضان كان عنوان تلك الكلمة: (وكن من الشاكرين) وفي ليلة الأحد الخامس من رمضان كان عنوان الكلمة: (ألوان من الجود) وفي ليلة الإثنين السادس من رمضان كان عنوان الكلمة: (فقد آذنته بالحرب) وفي ليلة الثلاثاء السابع من هذا الشهر كان عنوان الكلمة وهي البارحة: (حديث إلى معتمر) وفي الليلة القابلة سوف أتحدث في مسجدي المجاور لبيتي، وفي الليلة التي تليها وهي ليلة الجمعة عندي محاضرة في مدينة الرس وسأبدأ اعتباراً من ليلة السبت القادم -إن شاء الله تعالى- بإلقاء هذه الكلمات في نفس الموعد في مسجد الجاسر في جنوب البلد.

أيها الأحبة لدي في هذه الليلة خمسة مقترحات، أسال الله تعالى أن ينفعني وإياكم بها.

الأول: تحدثت إليكم البارحة عن بعض ما يجرى في بيت الله الحرام، وفي المسجد الآمن في مكة المكرمة من جراء كثرة القادمين عليه، والازدحام الموجود فيه، وما يحتاج الناس فيه دائماً وأبداً إلى التذكير، وإنني أتقدم باقتراح يتعلق بهذا الموضوع ألا وهو: أن يأخذ الأخيار الطيبون أصحاب الوجوه المسفرة، وأصحاب المظهر الحسن، على عواتقهم مهمة قضاء بعض الوقت في جولات في الأسواق العامة، وأماكن التجمعات.

جولات ليس لها هدف ولا غرض إلا السلام؛ ونشر السلام مطلب شرعي وقد كان ابن عمر رضى الله عنه يخرج إلى السوق لا يبيع ولا يشترى، وإنما يسلم على الناس، ويعتبر هذا قربة إلى الله تعالى، فيكفيك من خروجك إلى الأسواق أن تسلم على الغادين والرائحين والقاعدين، هذا أمر.

الأمر الثاني: إن وجود الأخيار في مثل تلك الأماكن هو بإذن الله تعالى صمام أمان، وعنصر وقاية، يحمي كثيراً من الناس وخاصة النساء من اعتداءات المعتدين، وحركات المشبوهين، ويحول بينهم وبين ما يشتهون، فتكون بإذن الله تعالى مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، فإن رأيت على أحد ما يريب فلا بد من كلمة هادئة تنصحه بها، تأمره بمعروف، أو تنهاه عن منكر، أو تذكره بأمر غفل عنه.

ولو أن الخيرين أخذوا على عاتقهم مثل هذا ولو لبعض الوقت، خاصة في الليل، وتجولوا ولا يذهبون فرادى لأن الشيطان قريب من الواحد وهو من الاثنين أبعد؛ بل يذهبون مثنى وثلاث ورباع، فيسلمون، ويصافحون، ويلاحظون، فإن وجدوا أمراً فيه شبهة ظاهرة، تكلموا بالخير وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.

وقد جُرب هذا في أعوام مضت فكان فيه خير كثير ووجدت من ورائه ثمار عظيمة.

فأريد منكم -أيها الإخوة- أن تأخذوا على عواتقكم هذه المهمة، وأن تبلغوها إلى غيركم من الناس أيضاً.

ونحن لا نطلب من أحد أن يحمل العصي، ولا نطلب من أحد أن يمشى في الأسواق بوجوه مكفهرة، وجباه عابسة مقطبة، ولا نريد من أحد أن يتلفظ بالكلمات النابية والعبارات الخشنة، كل هذا لا نريده، بل نريد إنساناً يخرج مع فئة من إخوانه وأصحابه يسلمون على الناس، ويهشون لهم ويبشون، ويصافحونهم، ويذكرونهم، ويأمرونهم وينهونهم، فإن رأوا ما يريب تكلموا بالكلمة الطيبة، وأمروا ونهوا بالحكمة والموعظة الحسنة.

وهذا الأمر لا يحتاج إلى إذن من أحد، ولا إلى ترخيص من جهة، ولن يعاتبك عليه أحد، ولن يلومك عليه أحد؛ لأن الأسواق طرق مباحة للناس كلهم، لا يمنع منها أحد، ولا يحجب عنها قادم.

فأنت كغيرك، وكل ما نريده منك هو ما ذكرنا، فإن وجودك في مثل هذه الأماكن بحد ذاته هو خير كثير، وحماية لأعراض المسلمات، وحماية للشباب -أيضاً- من تلاعب الشيطان بهم، وحتى تطمئن أنت ولا تخشى على نفسك من نظرات تند منك، فإننا ننصحك بأن يكون معك بعض أصحابك وإخوانك وأحبابك يشاطرونك هذا الهم، ويحملون معك هذا الحمل.

هذا هو كل ما نريد منك أولاً وأخيراً، وإنا نظنك -إن شاء الله- من الفاعلين، ولكن لا يكفينا هذا منك حتى تبلغه إلى غيرك -أيضاً- من المعتمرين والزائرين وأن تنصحهم بأن يفعلوا مثل هذا، وإنما نخص بذلك من هم أهل دين، وتقوى، وورع، وخير، وأهل ثقة بالله عز وجل واطمئنان إلى أنفسهم.

أما من يعلم من نفسه الضعف، والتقهقر، وتسلط الشيطان عليه، وتلاعب الشهوات به، فهذا نقول له: السلامة لا يعدلها شيء، والزم بيتك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك، وكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك.

لكن الناس درجاتٌ، ومنازل، وكل إنسان يعلم موقعه ومقامه.

هذا هو الاقتراح الأول، ولا أطيل لأن الاقتراحات خمسة، والوقت قصير، وينبغي ألا يأخذ كل اقتراح أكثر من خمس دقائق على حسب تقسيم الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015