يبقى أن هناك من قد يكون لهم تهويشات أو تشويشات لأنني أعتقد أن هناك من سيقولها، ولا أرى مانعاً أن أشير إليها، فإن هناك من يريد أن تظل الأمة في صمت تام، فإذا تكلم أحد قال: هذا يريد سلطة، أو يريد منصباً، أو حكماً، وليس هذا أمراً جديداً: {أتواصوا به} فهذا أمراً قديم: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43] ففرعون قال مثل هذا لموسى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس:78] وقريش قالت هذا للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6] .
إذاً كل داعٍ من السهل أن يتهم، والتهم جاهزة معلبة، فهذا يُتهم وأنا أتُهم والثاني والثالث، والأمر طريق مفتوح، ليس هناك رقيب على أفواه الناس، وفي مثل هذا المجال الأمر واسع، ولكن يبقى
Q إذا كان هؤلاء يقولون شيئاً فليعلنوه للناس، أعندهم أدلة أو وثائق؟ أعندهم شيء يدل على أن لنا من ذلك أكثر من دعوة الإصلاح؟ وأكثر من محاولة تعديل العوج الذي يشتد ويتفاقم في الأمة؟ إذا كان شيء من ذلك فنحن نطلب أن يبين للأمة ليعرفه الخاص والعام، ويكون الناس على بصيرة من أمرهم.
أيها الإخوة: ليعلم الجميع ممن يستمع إلى هذه الكلمة أننا -أستغفر الله ثم أستميح إخواني من دعاة الإسلام عذراً إذا تكلمت بلسانهم في هذه الفقرة- أننا معاشر دعاة الإسلام، دعاة أمن وسلام، الأمن فالسلام والخير والرفاهية التي يتبحبح فيها المسلمون لنا فيها سند، ومتى وجدت فنحن بعض المستفيدين منها، فلا يسرنا أبداً أن تتحول بلاد المسلمين كلها ولا هذه البلاد إلى بلاد فتن وحروب، ولا أن يختل فيها الأمن، ولا أن تزول وحدتها، بل نحن دعاة أمن ووحدة واستقرار وسلام ولا يحق لأحد مهما كان أن يدَّعي أنه أحرص على الأمن والوحدة والسلام من دعاة الإصلاح، نعم قد يختلف الأسلوب، فنحن من أسلوبنا وطريقتنا وعقيدتنا أنه من أجل المحافظة على أي نعمة أو خير حبانا الله به، ومن أجل طلب المزيد، ومن أجل مدافعة عقاب الله؛ يجب أن نكون جميعاً أيدياً تغسل هذا المجتمع، وتصحح أوضاعه، وتستدرك عليه أولاً بأول، تنكر المنكر في وقته ولو أدَّى الأمر إلى بعض الضغوط، والاستمرار والإصرار والصبر والمصابرة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وحتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
نعم، نعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره لحفظ أمن هذه البلاد وحفظ استقرارها ووحدتها، أليس الجميع مؤمنين بالقرآن يرتضونه حكماً بينهم؟! إذاً فلنسمع: يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62-63] فنصت الآية على أن الله تعالى هو الذي ألف بين المؤمنين بالإيمان، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يقال له: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63] فنقول لكل إنسان، ولكل تاجر أو ثري، ولكل عالم وحاكم، كما قال الله لرسوله: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63] إنما تؤلف قلوب الناس بالعدل، والإيمان، وتؤلف قلوب الناس بالصدق، حفظ حقوقهم، مشاورتهم، وتؤلف قلوب الناس بالصبر عليهم وحسن التعامل معهم.