على كل حال، هذا الموضوع، باختصار شديد هو قضية الدعاة، قضية الإصلاح بمعناه الشامل، الإصلاح الشرعي الديني والدنيوي، نحن نعتبر الإصلاح الدنيوي جزءاً من الإصلاح الديني، فالدين ما جاء ليحكم المسجد فقط، بل الدين جاء ليعلمنا أن الاقتصاد ينبغي أن يكون بصورة معينة، وأن المال ينبغي أن يوظف بطريقة صحيحة، وأن الصناعة ينبغي أن يبرز فيها المسلمون، والإعلام، والتعليم، والحياة الاجتماعية أيضاً.
فالدين جاء ليحكم الحياة، وليعلم الإنسان من يوم يولد كيف يسمي، بل قبل ذلك عملية اللقاء والاتصال بين الزوجين كيف تتم من أجل ضمان صلاح المولود كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى علمه كيف يوسد الإنسان في قبره، وأيضاً جاء الدين بتحديد الطريقة في الدفن، وما بين ذلك من حياة الفرد رجل أو امرأة كبير أو صغير أب أو أم، في المجالات الاجتماعية على مستوى الأسرة، وعلى مستوى البلد والمدينة، وعلى مستوى الجماعة، والطائفة، وعلى مستوى الدولة، والأمة: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9] .
إذاً هداية القرآن جاءت لتهيمن على الحياة، لا ليفتتح البرنامج بالقرآن ويختم به فحسب، ولا من أجل أن نزين به مكتباتنا، أو نزين به مساجدنا، ولا من أجل أن نقرأه فحسب -وإن كان ذلك مطلوباً- لكن جاء حتى نتمثل هدايته تميزاً لأمتنا بكل مجالات الحياة يوم أن تفاخر الأمم بأديانها ومذاهبها وكتبها وتراثها، فإن تاريخنا هو هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى رحمة وشفاء وهدى ونوراً وبياناً لنا، فأعرضنا عنه أيما إعراض، واكتفينا بتلاوته إن تلوناه، كما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: [[نزل القرآن ليعملوا به فاتخذوا تلاوته عملاً]] .