إذاً المهمة هي مهمة إصلاح أوضاع الناس، حتى أوضاع الناس الدنيوية، فالكثيرون يتحدثون في مجالسهم وخصوصياتهم عما يشعرون به من فقدان العدل الاجتماعي، ومن سحق كثير من الطبقات، وأنهم لا يجدون حقوقهم في المال العام، في الوظائف، وفي المخصصات، ولا يجدون حقوقهم في الفرص التي هي في الأصل حقوق مشتركة للأمة يتساوى فيها الجميع، يشتكي من ذلك المزارع، ويشتكي منه الموظف الصغير والمتوسط، ويشتكي منه الطلاب، والمتخرجون، ويشتكي منه ألوان وأصناف من الناس، وكثير من رجال البادية، وكثير من أهل المناطق المختلفة المتباينة وغيرهم، فالجميع يتحدثون عن ذلك.
فبالله! من هو المستفيد من أن تظل هذه الأشياء مجرد مشاعر دفينة في النفوس تتحول إلى أحقاد بغضاء وتدمير للمجتمع، دون أن تعطى فرصة على الأقل للتنفيس؟! ماذا يضرك أن تعطي الناس مجالاً للتنفيس عما في نفوسهم؟ ربما شعر لو تحدث أنه وضع عن ظهره حملاً ثقيلاً وعبئاً جليلاً ينوء به، وما يضيرك أن يتحدث عنك الناس؟ بل ماذا يضير أن يتحدثوا ويأخذ من كلامهم النافع المفيد ليكون نبراساً؟ فإننا لا نعتقد أن أحداً يملك أن يصلح الأمة وهي فاسدة أو نائمة، بل ولا أحد يستطيع ذلك لو أراده، فضلاً عن أنه لا يمكن أن يريده إلا دعاة الإصلاح الذين يشهد الناس لهم بذلك، أما مجرد أن أدعي -أنا أو غيري- ذلك، فهذه دعوى لا تصدق ولا تكذب إلا من خلال الواقع الذي يمكن أن يحكم لها أو عليها.