فالله تعالى كرم الإنسان بالعقل، فلماذا نجعل هذا العقل في إجازة مفتوحة؟ ونفترض أن جماهير الناس ليست على مستوى أن تفهم الأحداث، ولا أن تشارك فيها أو أن تشير!! من أين جاء هذا المعنى الغريب عن الأمة التي رباها النبي صلى الله عليه وسلم على المشاركة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصعد على المنبر فيتحدث مع الناس في أي قضية من القضايا، يصعد المنبر -مثلاً- فيتكلم في حادثة الإفك، يصعد المنبر ويقول: أشيروا عليَّ أيها الناس، في قضية بدر أو أحد، في المعارك التي تخوضها الأمة، في المواقف المختلفة، حتى في قضية توزيع المال، عندما يتكلم الناس يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ليقول: {يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟! ألم أجدكم ضلالاً} إلى آخر الحديث المعروف وهو في الصحيحين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه من بعده وخلفاؤه الراشدون، والخلفاء المسلمون يعتبرون الأمة مسئولة معهم كما يحتاجونها في حال الشدة، فلذلك كانوا يشركونها في مثل هذه الأمور ولا يصادرون رأيها أو قناعتها.
نعم لا بد من ضوابط لذلك، ولا بد من قنوات؛ لكن أين هذه القنوات، وأين هذه الضوابط، وأين هذه الفرص التي تجعل للناس على الأقل ولو قلنا لنخبة من الناس مجالاً أن يعبروا عن رأي أو اجتهاد قد ينفع الله به، وقد يكون سبباً في دفع أذى أو ضر عن البلاد والعباد؟! إن الله تعالى لم يجعل الصواب حكراً على فئة بعينها ولا شخص بذاته، حتى ولو كان عالماً جليلاً، أو ذكياً نبيلاً، أو عبقرياً فذاً، أو شهيراً خطيراً، فإنه قد يوجد الحق والرأي السداد عند عامة الناس فضلاً عن خاصتهم.
إذاً هذه الحقوق التي يمكن أن نعبر عنها بالحقوق المعنوية إضافة إلى الحقوق المادية التي يتكلم الناس كلهم عنها من تجار ومزارعين ومتوسطين، وموظفين وغير هم ممن حرموا كثيراً من حقوقهم، أو سدت في وجههم أبواب الوظيفة، أو سدت في وجههم أبواب العمل الحر الذي يسددون به ديونهم، أو ينفقون به على أزواجهم وأولادهم، أو على الأقل ينفذون به ما أباح الله تعالى وأحل لهم: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] فلماذا يمنعون هؤلاء من ذلك في الوقت الذي تجد الكثير منهم قد يجدون أنفسهم محتاجين أو مضطرين فيما يعتقدون إلى أن يستدينوا من البنوك بفوائد ربوية، والله تعالى يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] لكنهم يرون أنه ليس لهم مخرج إلا ذلك، والواقع أن المخارج المباحة كثيرة.