الملاحظة الرابعة: أن هذا النصر الموعود ليس أمراً يأتي بقضاء الله وقدره بدون جهد البشر، والله قادر على ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4] فالله تبارك وتعالى خلق في السماء ملائكة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] وفي حديث أبي ذر في صحيح مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أطت السماء وحق لها أن تئط -والأطيط: وهو صوت الراحل إذا ثقل عليها الراكب أو غيره صار له صوت أطيط وأزيز- ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك راكع أو ساجد} فهؤلاء لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فالله تبارك وتعالى قادر على أن يخلق البشر كذلك لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ لكن خلقهم جلَّ وعلا بهذه الصفة، وجعل الإنسان في ميدان الخصومة بين الحق والباطل للابتلاء والامتحان، ولذلك قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119] فالله تبارك وتعالى شاء أن يخلق بشراً يمكن أن يهتدي، ويمكن أن يضل؛ ليتحقق بذلك الابتلاء والاختبار لحكمة يعلمها، وهو جلّ وعلا أحكم الحاكمين، فهذا النصر ليس غنيمة باردة يقبضه الإنسان بدون ثمن، بل لا بد من الصبر والجهاد.