ثبات الحق ورسوخه وطيشان الباطل وزواله

الملاحظة الثالثة التي نستفيدها من الآيات والأحاديث في موضوع الصراع أو الخصومة بين الحق والباطل: هي ثبات الحق وانتصاره ورسوخه وطيشان الباطل وزواله، وهذا ظاهر من خلال الآيات السابقة، فمثلاً يقول الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] فهذه الخاتمة إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى ينصر المهتدين ويؤيدهم ويحفظهم وعقب ما ذكر الآية الأخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112] قال بعد ذلك: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115] أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، وفي الآية الثالثة من سورة إبراهيم: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24] ولما ذكر الكلمة الخبيثة، قال: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:26] ثم قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] .

الطائفة التي تحمل الحق سماها الرسول صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة إشارة إلى أن النصر هو حليفهم في النهاية طال الزمن أم قصر، ولما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء:76] وهذا نموذج من الخصومة بين الحق والباطل، لأن الخصومة قد تكون خصومة فكرية، وقد تكون خصومة في ميدان القتال، عقّب بقوله: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] لو نقطع بأنه إذا وجد معركة حقيقة بين الحق والباطل ووجد للحق حماته الذين يدافعون عنه -وهم موجودون لا محالة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم- فإن العاقبة لهؤلاء المتقين، قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} [الأعراف:128] وقال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015