وجوب البذل لتحقيق النصر

وكما أن أهل الباطل يجهدون ويجاهدون ويتعبون، فكذلك أهل الخير، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:104] إذاً الجهد الذي يبذله أهل الباطل يجب أن يبذل أهل الخير لا أقول مثله، لكن أقول: يجب أن يبذل أهل الخير ما يستطيعون في مواجهته {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فلا يظن الإنسان أن الطريق معبده، وأنها مفروشة بالورود والرياحين، ويكفيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاقوا في سبيل هذا الطريق ما لاقوا، منهم من أوذي، ومنهم من أخرج، ومنهم من طورد حتى قال ورقة بن نوفل -كما في صحيح البخاري- للنبي صلى الله عليه وسلم أو ل ما بُعِثَ {ليتني أكون حياً حين يخرج قومك، قال: أومخرجي هم؟ قال: نعم! لم يأتِ أحد بمثل الذي جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً} .

وهذا الذي حدث فعلاً حيث أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة إخراجه من مكة فيها عبرة، وفيها ما يثير نفوس المؤمنين، وكأني أنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد طارده المشركون وضايقوه وأحكموا عليه الخناق حتى اضطروه إلى الخروج من مكة البلد الأمين الذي يحبه صلى الله عليه وسلم، فخرج حزيناً على ذلك، فلما وصل إلى الحزورة، وهو مكان يقع إلى الشرق من الكعبة، وهو اليوم أسواق التفت إلى الكعبة وهو بقلب حزين ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال يخاطب مكة: {والله إنك لأحب البلاد وأفضل البلاد إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} ولما ذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم وأصابته الحمى، وكان في المدينة محمومة في ذلك الوقت، وأصابت الحمى أصحابه، فكانوا يقعون تحت طائلة هذه الحمى، حتى إن بعضهم كان يقول من شدة الحمى ولا يعي ما يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ وحولي إذخر وجليلُ وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل يتطلعون إلى معالم ومواضع وأماكن وجبال في مكة عاشوها وما حولها، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة كما أخرجونا من ديارنا إلى ديار الوباء} ثم دعا صلى الله عليه وسلم للمدينة أن ينقل حماها إلى الجحفة، وأن يصححها للمؤمنين.

على المسلم البذل ومن الله التأييد: المهم أن الطريق طويل وشاق، ويحتاج إلى جهاد دائم من حملة رسالة الإسلام؛ لكن هذا الجهاد يؤيده الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: ((وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)) [النساء:104] ويبارك فيه ولو كان قليلاً، المهم أن يبذل الإنسان ما يستطيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015