هذا الحق والباطل بينهما صراع منذ أن خلق الله الإنسان على ظهر الأرض، فيوم أن كان آدم وحواء في الجنة كان الله عز وجل قد خلقهما للابتلاء والاختبار، ولذلك قال الله عز وجل: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] ومنذ تلك اللحظة ابتلي الإنسان بكيد الشيطان وخصومته وصراعه معه، وما زال الشيطان يكيد لآدم وحواء حتى أهبطا إلى هذه الدنيا، وبعد إهباطهما وإهباط الشيطان يقول الله جل وعلا: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو} [البقرة:36] وهنا انتقل ميدان الصراع إلى هذه الأرض، وبدأت الخصومة.
ولذلك بعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض ظلت أجيال من الناس على الهدى قروناً طويلة يتوارثون الهدى والخير والإيمان عن أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه عند الحاكم والطبري وغيرهما في تفسير قول الله جل وعلا في سورة البقرة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِين} [البقرة:213] قال ابن عباس: كان بعد آدم عشرة قرون كلهم على الهدى فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
وهكذا جاء في قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب ((كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)) هذا أحد الأوجه في تفسير الآية، وبناءً عليه نستطيع أن نقول: إن الأجيال التالية لآدم ظلت وفيةً للحق، وفيه للتوحيد الذي تلقته عن آدم عليه الصلاة والسلام، حتى أثّر فيهم كيد الشيطان، فانحرفوا عن التوحيد، واندرست معالمه، فاحتاج الأمر إلى بعثة نبيٍ يجدد الإسلام والدين والتوحيد: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة:213] .
وبعد بعثة هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم وبين أعداء الرسل من أتباع الشيطان، ولذلك يقول جلا وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِين} [الفرقان:31] فما من نبي بعث إلا ويصدى له أعداء من المجرمين يضعون العراقيل في طريقه، ويعترضون عليه بمختلف الوسائل، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] .