الخصيصة الرابعة: البصيرة، قال الله تعالى: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] فهي ليست دعوةً عامية، ولا نعرة جاهلية، ولا تقليداً لفلان وفلان، بل هي دعوة مستبصرة؛ شعارها قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] وفيصلها: الحجة القاطعة اليقينية البينة.
وهي بصيرة في كل شيء؛ بصيرة في حقيقة الدعوة، فيعلم الإنسان إلى ماذا يدعو، وماذا يريد من الناس.
وبصيرة بطريقة الدعوة ومعرفة ما يحل وما لا يحل، وسلوك السبيل الأقوم لتحصيل المراد، وإدراك العوائق والعقبات التي تعترض سبيل الداعية؛ ليتسلح لها وستعد ولا يفجأ بها.
وبصيرة بحال المدعوين، تعين على تلمس أسباب هدايتهم، وبصيرة بأعداء الدعوة؛ ليكون الداعي منهم على حذر، وبصيرة بالنفس؛ ليعرف الداعي مقصده ونيته ودافعه؛ فلا يلتبس عليه الأمر، ولا تتداخل عنده المقاصد ولا يغالطه الشيطان فيزين له القبيح، أو يقبح له الحسن، ويغيريه بالتعصب والغضب والحمية للنفس أو للمذهب أو للطائفة أو للجماعة أو للإقليم أو للشيخ أو لغير ذلك.