عموم الدعوة إلى الله

الخصيصة الثالثة: العموم.

فليست دعوة للنخبة من المثقفين والمتعلمين، ولا لكبراء القوم وعليتهم، ولا للعرب، وليست الدعوة لفترة معينة أو جيل خاص؛ بل هي دعوة للأبد، لكل الناس، فلا يجوز أن نستثني من الدعوة أحداً، ولا أن نجاري بعض العادات الاجتماعية أو الموروثات العقلية، التي توهمك أن هناك من لا حاجة لدعوته؛ لأنه لا أمل في هدايتهم، فالله تعالى يهدي من يشاء، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل.

لقد أسلم عمر، الذي كان يتربص بالرسول صلى الله عليه وسلم ويعد العدة لقتله، فلما قرب من الصفا صفا.

توجه الدعوة للنصارى بالأسلوب الشرعي، وتوجه الدعوة لليهود، مع ما عرف عنهم من خبث الطباع والتلون على الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتوجه الدعوة للغارقين في الشهوات، فربما هداهم الله سبحانه وتعالى، وتوجه الدعوة للمنحرفين عن السنة توجه الدعوة للإسماعيلية، وتوجه للصوفية، وتوجه للشيعة وسائر الفرق.

وأقول على سبيل المثال: الكتب التي تنتقد مذهب الشيعة الجعفرية الإمامية، كثيرة جداً ولا حرج في ذلك؛ فهذه بحوث علمية روعي فيها العدل والإنصاف؛ لكن كم من الكتب وكم من الأشرطة التي تخاطب هؤلاء بالدعوة، بالأسلوب العلمي الشرعي، وتدلهم على ما في المذهب مما يخالف القرآن ويخالف العقل، ويخالف ما تقتضيه الفطرة السليمة؟! كم يوجد من المواد التي تخاطبهم بالدعوة الصريحة الصادقة الناصحة، التي تريد لهم الهداية إلى الحق، والرجوع إلى السنة والوصول إلى الصواب؟! إنه ليس هناك خدمة يقدمها أحد لمثل هؤلاء؛ أعظم من أن يشيع أنه لا أمل في هدايتهم، وأنه لا ينبغي الاشتغال بدعوتهم.

إن عموم الدعوة وشمولها أمر مسلم من الناحية النظرية؛ ولكني أسائل نفسي وأسائلكم: من منا يقوم بتأدية ذلك عملياً؟ وكم بذلنا من الجهد لذلك؟! إنني أستطيع أن أقول -وعن معرفة-: إن الدعوة إلى الله لا تزال محصورة بين فئة من الشباب الدارسين، الذين تظهر عليهم سمات الصلاح وقابلية الخير، أما هذا المجتمع الواسع العريض، برجاله ونسائه وأطفاله وتجاره، وفقرائه بموظفيه الكبار والمتوسطين، وبطبقاته الاجتماعية المختلفة والمتفاوتة، بعوامه وفلاحيه؛ بل بمنحرفيه وشارديه، وبأقاليمه التي يفصل بعضها عن بعض حدود المكان، وحدود التقاليد والعادات والموروثات التاريخية والحساسيات السابقة؛ إن هذا المجتمع لا يزال بمنأى عن الدعوة الصادقة التي تكسر الحواجز والجدران، وتصل إلى كل العقول والقلوب، وتخاطب الناس بالأسلوب الحسن المثالي.

فأسألكم أيها الأخيار أيها الأحبة أيها الدعاة: متى تتحول هذه النظرية المسلمة بعمومية الدعوة وشموليتها إلى واقع عملي؟ ومتى نفلح في تكسير الحواجز بيننا وبين الناس؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015