عندما أراد حاكم مصر -المظفر قطز أن يقاتل التتار رأى أن أموال الخزينة لا تكفي، فلابد أن يأخذ من الناس، فجمع العلماء وقال لهم: ما رأيكم نريد أن نأخذ من الناس أموالاً نستعين بها في تجهيز الجيش، والسلاح، ودفع رواتب الجند، وما أشبه ذلك من المصالح التي لا بد منها.
ونحن نواجه عدواً اجتاح بلاد العراق والشام ووصل إلينا، وقد تنتهي دولة الإسلام على يديه فلا بد من المقاومة، فقد يوافق بعضهم في مثل هذه الظروف وهم يواجهون الخطر والعدو.
لكن العز بن عبد السلام لم يوافق، وقال له: هذا لا يمكن، إلا بعد أن نأخذ كل ما عندكم أنتم وبقية سلاطين المماليك وأمرائهم، فكل ما عندكم من الخوائص المذهبة، والآلات النفيسة، والأموال الطائلة، والامتيازات والاختصاصات حتى لا يصبح مع الواحد منكم إلا ثيابه ومركوبه، فرسه وسلاحه وثيابه، فإذا كفت أموالكم فالحمد لله رب العالمين وإذا لم تكف فحينئذٍ ننتقل إلى أن نأخذ من أموال الناس، فوافق قطز مضطراً على هذا العرض وجمع أموال المماليك وأمراء المماليك فكفت وزادت على الكفاية.
هذا الموقف تتناقله الأمة، وتشعر من ورائه بأن الذي حفظ أموالها وحماها من أن تظلم أو يؤخذ مالها بغير حق هو العز بن عبد السلام، فتفي له بهذه المواقف، وتدرك أن هؤلاء العلماء هم الذين يستحقون أن تقف الأمة وراءهم.
فهذا مثال يكشف عن قدرة العز بن عبد السلام على ما يمكن أن نعبر عنه بقيادة الناس وقيادة الأمة.