مدافعته عن مصالح الأمة

كان العالم في ذلك الوقت -خاصةً العز بن عبد السلام - مدافعاً عن مصالح الأمة سواء في أمورها الخاصة أم العامة.

ولعل من أبرز الصور التي تتجلى فيها مدافعته عن مصالح الأمة: الناحية الاقتصادية، وقد سبق القول بأن الاقتصاد من الأمور التي يشترك الناس كلهم في الغضب لها أو الرضا لها، فإذا مست الجوانب الاقتصادية في حياة الناس؛ سخطوا، وإذا أرضوا بالمال؛ رضوا كلهم؛ طيبهم وفاجرهم.

ولذلك كان العز وغيره من العلماء يحرصون على حماية مصالح الناس، ومن المؤكد أن العز بن عبد السلام لم تكن عنده امتيازات شخصية، ولا كان عنده رواتب فخمة، ولا كان عنده قصور ولا شيء في هذا، بل -كما ذكرت سابقاً- كان الموكب الذي أراد أن يخرج به من مصر عبارة عن حمارين، وكان أثاثه كله يوجد في هاتين المزادتين.

فمرة من المرات لما كان في دمشق حدثت مشاكل وزوبعة، وأخذ ورد، وكان بسبب ذلك انخفاض في الأسعار وأصبحت البساتين تباع بأسعار زهيدة، فقالت له زوجته بعد أن باعت مصاغها وحليها: خذ، اشتر لنا بستاناً نصطافُ فيه، نخرج في الصيف نجلس فيه، فأخذ الحلي وذهب وباعها ثم وجد الناس محتاجين فتصدق بها، ورجع إلى البيت، فقالت له زوجته: اشتريت بستاناً؟ قال: نعم، اشتريت لك بستاناً ولكن في الجنة، قد رأيت الناس محتاجين ففرقت هذا المال فيهم، فقالت له: جزاك الله خيراً.

إذاً، الأمة عرفت أنه رجل يبذل ماله ويحرص على قضاء حقوق المحتاجين ولو من مال ومصاغ زوجته، فهذا يستحق أن تقف الأمة وراءه، وهذا في أموره الخاصة، وإن كانت أموراً بسيطة لأن العالم عادةً ليس عنده أموال يوزعها، وليس هو موزع أموال، العالِم في تاريخ الأمة كلها ما كان يوزع أموالاً إلا في حالات نادرة، إنما يوزع الهداية بين الناس، هداية الدلالة والإرشاد.

والمواقف العامة هي الأخطر، فقد كان العز بن عبد السلام مدافعاً عن مصالح الناس الاقتصادية والمالية يدافع عن جيوبهم، يمنع ظلمهم والاعتداء على حقوقهم، وخذ هذا المثال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015