جانب آخر في حياة العز بن عبد السلام يحتاج أن نقف عنده، ألا وهو: مكانة العالم لدى الأمة عامها وخاصها، وأعني بعامة الأمة: جماهير الأمة، وأما الخاصة: فهم علية القوم، من سلاطينها ومسئوليها وحكامها، كيف كانت مكانة العز بن عبد السلام وغيره من العلماء عند هؤلاء العامة؟ أولاً: مما لا شك فيه أن العالم حلقة وصل بين العامة والخاصة، بين الحاكم والمحكوم، لماذا؟ لأن الحاكم يحتاج إليه، لتأييد مواقفه، وكسب الناس، ولذلك كان أول ما يتولى الحاكم المملوكي أو غيره أول من يبايعه العز بن عبد السلام، ثم بعد ذلك يبايعه الوزراء، ثم الناس، فكان الحاكم يدري أنه يحكم أمة مسلمة، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنه لا يستطيع أن يستقر ويضمن هذه الأمة، إلا إذا حكمها بكتاب ربها وسنة نبيها، وأرضى الواسطة بينه وبين هذه الأمة وهم العلماء.
فكان العالِم يحتاجه الحاكم، وفي نفس الوقت تحتاجه الرعية؛ لأن الرعية لها حاجات ومطالب وآراء واجتهادات لا يمكن أن يوصلوها بأنفسهم، فكانوا يحتاجون إلى العالم حتى يوصل هذه الأمور إلى من فوقه، فهو حلقة وصل رابطة واسطة بين الأمة وبين حكامها ومسئوليها.