نلاحظ -أيها الإخوة- من هذه القصة أمرين: أولا: أن العز بن عبد السلام كان يتولى بنفسه -أحياناً- مباشرة تغيير المنكر باليد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} والعز كان يستطيع أن يغير بيده، فتغييره رضي الله عنه باليد يعتبر موقفاً وسطاً بين صورتين تقعان في كل زمان ومكان: الصورة الأولى: صورة بعض المتعجلين الذين يتولون تغيير المنكرات بأيديهم، لكنهم ليس لديهم قوة ولا مكانه بحيث أن تغييرهم للمنكر قد يعود بنتائج سلبية، وهذا ما نلاحظه في هذا العصر، في كثيرٍ من البلدان يكون تغيير المنكر باليد -بإتلافه، أو إحراقه، أو هدمه، أو منع وقوعه- سبباً في مضاعفة المنكر.
وبمقابل ذلك وهي الصورة الثانية، التي يكون فيها التهاون والسكوت، فموقف العز موقف متميز عن بعض طلبة العلم والمحسوبين على الدعوة وعلى الخير ممن إذا رأى المنكر طأطأ رأسه، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، وربما في المرة الثانية لا يأتي من عند هذا المكان حتى لا يرى المنكر! فنقول: لا، لا يصلح الهروب من المنكرات، فهروبك من المنكر لا يعني أن المنكر قد زال، وقولك: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا طيب وذكر لله عز وجل، لكن يجب أن تشفع ذلك وتؤيده بموقف إيجابي فعال، تعمل فيه على إزالة المنكر، فكان موقف العز بن عبد السلام موقفاً وسطاً، فهو رجل متمكن له قوة وقدرة استطاع بها أن يغير المنكر بيده، فهذا جانب.
الجانب الثاني: أن الذي جعل العز بن عبد السلام رضي الله عنه يقف هذا الموقف هو أن الأمة كلها وراءه، ولذلك لما أصدر القرار بإسقاط عدالة هذا الرجل، لم يعد أحد يقبل منه أي قول، ويمكن أن زوجته لو رجع إليها في البيت ليخبرها بخبر، لقالت له: ما أقبل منك هذا الكلام لأنه قد أسقط عدالتك العز بن عبد السلام! إذا كانت الأمة فعلاً ملتفة حول علمائها وقاداتها الشرعيين فإنها تكتسب بهم قوة، وتكسبهم قوة أما هم فإن الواحد منهم يستطيع أن يأمر وينهى، لأن وراءه حشد من الأمة، إذا غضب غضبت له ألوف وألوف، ومن جهة أخرى، أن الأمة تتقوى بهم؛ لأن هؤلاء العلماء ما اكتسبوا مكانتهم إلا لأنهم كانوا هم المدافعين الحقيقيين عن مصالح الأمة، كما سوف أبين ذلك بعد قليل.