إنكاره المنكر على أحد وزراء الدولة

ومن أطرف المواقف التي تذكر في هذا الجانب أنه قال له تلاميذه يوماً من الأيام: إن وزيراً كبيراً في دولة المماليك بنى في مكان كذا وكذا داراً -يسمونه في ذلك العصر- طبل خانة، وهو مكان مخصص للغناء والرقص والموسيقي والفساد، وكان هذا المكان بقرب أحد المساجد.

ومن هنا نلاحظ كيف أن الأمة كانت تواصل العلماء، فتخبرهم بما يجري وما يقع؛ لأن العالم ليس كالشمس يشرق على هذه الدنيا كلها، بل يحتاج من تلاميذه وممن حوله أن يقولوا له: حصل كذا وحصل كذا، بحيث أن الأمة كلها تمد جسورها مع العالم، فجاءوا وقالوا له: الأمر كيت وكيت، فتأكد لديه الخبر، فجمع أولاده وبعض تلاميذه، وذهب إلى هذا المكان الذي يسمونه طبل خانة، ثم أخذ الفأس وبدأ باسم الله وهدمه هو من معه حتى سووه بالأرض.

فهل اكتفى بهدم هذا المنكر وإزالته؟ لا، فالرجل طموح، فقد قام وأصدر بياناً أو قراراً بأن الوزير هذا ساقط العدالة فلا أحد يقبل شهادته ولا يقبل منه أي خبر من الأخبار، وأعلنه للناس فسرعان ما تناقلت الأمة هذا الخبر عن العز بن عبد السلام.

وكانوا يظنون أن الخبر محصور في مصر فقط، لكن تعجبوا أشد العجب وعظمت مصيبتهم حينما حصلت القصة التالية: أرسل ملك مصر إلى الخليفة العباسي رسالة بواسطة أحد الأشخاص، رسالة شفهية، فلما وصلت الرسالة إلى الخليفة العباسي، قال للرسول من أين سمعت هذه الرسالة؟ هل سمعتها من ملك مصر مباشرة.

قال: لا، سمعتها من فلان -يعني الوزير الذي أسقط العز بن عبد السلام عدالته-.

فقال الخليفة: ارجع فلن أقبل هذا الخبر حتى تأتيني به من حاكم مصر مباشرة، فرجع الرسول وقال لهم: القصة كيت، وكيت، فعرفوا أن الأمة كلها فعلاً مع العز بن عبد السلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015